لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٤٦٣
المعنى إمّا : كانوا قليلا وكانوا لا ينامون إلا بالليل (كقوله تعالى :«وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» «١» أو : كان نومهم بالليل قليلا، أو :) «٢» كانوا لا ينامون بالليل قليلا «٣».
«وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» : أخبر عنهم أنهم - مع تهجدهم ودعائهم - ينزلون أنفسهم في الأسحار منزلة العاصين، فيستغفرون استصغارا لقدرهم، واستحقارا لفعلهم.
و الليل.. للأحباب في أنس المناجاة، وللعصاة في طلب النجاة. والسّهر لهم في لياليهم دائما إمّا لفرط أسف أو لشدّة لهف، وإمّا لاشتياق أو لفراق - كما قالوا :
كم ليلة فيك لاصباح لها أفنيتها قابضا على كبدى
قد غصّت العين بالدموع وقد وضعت خدى على بنان يدى
و إمّا لكمال أنس وطيب روح - كما قالوا :
سقى اللّه عيشا قصيرا مضى زمان الهوى في الصبا والمجون
لياليه تحكى انسداد لحاظ لعينى عند ارتداد الجفون
قوله جل ذكره :
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٩]
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (١٩)
السائل هو المتكفّف، والمحروم هو المتعفّف - ويقال هو الذي يحرم نفسه بترك السؤال..
هؤلاء هم الذين يعطون بشرط العلم «٤»، فأمّا أصحاب المروءة : فغير المستحق لمالهم أولى من المستحق «٥». وأما أهل الفترة فليس لهم مال حتى تتوجه عليهم مطالبة لأنهم أهل الإيثار - فى الوقت - لكلّ ما يفتح عليهم به.

_
(١) آية ١٣ سورة سبأ.
(٢) ما بين القوسين موجود في م وسقط في ص.
(٣) يقول النسفي : ولا يجوز أن تكون ما نافية على معنى أنهم لا يهجعون من الليل قليلا ويحيونه كله لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فلا تقول : زيدا ما ضربت (النسفي ح ٤ ص ١٨٤).
(٤) أي حسب شرائط الشريعة في الزكاة.
(٥) هكذا في م وهي مشطوبة بخط فوقها في ص... والعبارة قد تبدو غامضة، وقد يكون مراد القشيري - إن صحت عنه العبارة هكذا - أن اهل المروءة لا يتقيدون في عطائهم بما تفرضه الشريعة للمستحقين وحسب فإن المستحق يأخذ ما هو حق له، وإنما يعطون دائما ويمنحون دائما بغض النظر عن استحقاق أو عدمه.


الصفحة التالية
Icon