لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٤٦٩
قوله جل ذكره :
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٥٠]
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)
أي فارجعوا إلى اللّه - والإنسان بإحدى حالتين إمّا حالة رغبة في شى ء، أو حالة رهبة من شى ء، أو حال رجاء، أو حال خوف، أو حال جلب نفع أو رفع ضرّ.. وفي الحالتين ينبغى أن يكون فراره إلى اللّه فإنّ النافع والضارّ هو اللّه.
ويقال : من صحّ فراره إلى اللّه صحّ قراره مع اللّه.
و يقال : يجب على العبد أن يفرّ من الجهل إلى العلم، ومن الهوى إلى التّقى، ومن الشّكّ إلى اليقين، ومن الشيطان إلى اللّه.
ويقال : يجب على العبد أن يفرّ من فعله - الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته، ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته، ومن نفسه - حيث قال :«وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» إلى نفسه حيث قال :«فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ» «١» :
قوله جل ذكره :
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَ تَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣)
أخوّفكم أليم عقوبته إن أشركتم به - فإنّه لا يغفر أن يشرك به.
ثم بيّن أنه على ذلك جرت عادتهم في تكذيب الرّسل، كأنهم قد توصوا فيما بينهم بذلك.
قوله جل ذكره :
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٥٤]
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)
فأعرض عنهم فليست تلحقك - بسوء صنيعهم - ملامة «٢» قوله جل ذكره :
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٥٥]
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)
ذكّر العاصين عقوبتى ليرجعوا عن مخالفة أمرى، وذكّر المطيعين جزيل ثوابى ليزدادوا

_
(١) هنا استخدم القشيري ثقافته الكلامية فيما يتصل بصفات (الفعل) وصفات (الذات) (أنظر تقديمنا لكتاب التحبير في التذكير).
(٢) هكذا في م وهي في ص (ملايه) وهي خطأ من الناسخ.


الصفحة التالية
Icon