لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٤٧٥
«كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ» مطالب بعمله، يوفيّ عليه أجره بلا تأخير، وإن كان ذنبا فالكثير منه مغفور، كما أنه اليوم مستور.
قوله جل ذكره :
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَ لَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ (٢٣)
أي لا يجرى بينهم باطل ولا يؤثمهم كما يجرى بين الشّرب «١» فى الدنيا، ولا يذهب الشّرب بعقولهم فيجرى بينهم ما يخرجهم عن حدّ الأدب والاستقامة.
وكيف لا يكون مجلسهم بهذه الصفة ومن المعلوم من يسقيهم، وهم بمشهد منه وعلى رؤية منه؟.
قوله جل ذكره :
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٤]
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤)
و القوم عن الدار وعمّن في الدار مختطفون لاستيلاء ما يستغرقهم فالشراب يؤنسهم ولكن لا بمن يجانسهم «٢» وإذا كان - اليوم - للعبد وهو في السجن في طول عمره ساعة «٣» امتناع عن سماع خطاب الأغيار، وشهود واحد من المخلوقين - وإن كان ولدا عزيزا، أو أخا شفيقا - فمن المحال أن يظن أنه يردّ من الأعلى إلى الأدنى.. إن كان من أهل القبول والجنة، ومن المحال أن يظن أنه يكون غدا موسوما بالشقاوة.
وإذا كان العبد في الدنيا يقاسى في غربته من مقاساة اللتيا والتي - فماذا يجب أن يقال إذا
(١) الشرب بالفتح القوم يشربون ويجتمعون على الشراب (الوسيط واللسان).
(٢) هكذا في م وهي أقرب إلى الصواب مما جاء في ص (يجالسهم) باللام لأن السياق يتدعم بالأولى فالأنس الحاصل يومئذ بالحق لا بالخلق.
(٣) هذه محاولة طيبة يقدمها التفسير الإشارى عند بحث قضية التنعم في الآخرة ونفى الحسيات عن هذا المتنعم لأنه إذا تصورنا أن العبد في ساعة الفناء يكون محوا فيما يشهد، وأن ذلك يحدث في الدنيا.. فها بالك في الآخرة وهم ناظرون إلى ربهم؟!