لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٥٣٦
مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ».
لا يستوى منكم من أنفق قبل فتح مكة والحديبية والذين أنفقوا من بعد ذلك. بل أولئك أعظم ثوابا وأعلى درجة من هؤلاء لأنّ حاجة الناس كانت أكثر إلى ذلك وكان ذلك أشقّ على أصحابه «١».
ثم قال :«وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى » إلّا أنّ فضيلة السّبق لهم، ولهذا قالوا :
السباق السباق قولا وفعلا حذّر النّفس حسرة المسبوق
قوله جل ذكره :
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١١]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١)
المراد بالقرض الصدقة، وإنما ذكرها سبحانه كذلك تطييبا لقلوبهم، فكأن المتصدّق وهو يقرض شيئا كالذى يقطع شيئا من ماله ليدفعه إلى المستقرض.
ويقال «يُقْرِضُ» أي يفعل فعلا حسنا، وأراد بالقرض الحسن هاهنا ما يكون من وجه حلال ثم عن طيب قلب، وصاحبه مخلص فيه، بلا رياء يشوبه، وبلا منّ على الفقير، ولا يكدّره تطويل الوعد، ولا ينتظر عليه كثرة الأعواض.
ويقال : أن تقرضه وتقطع عن قلبك حبّ الدارين «٢»، ففى الخبر :«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» «٣» ومن لم يتحرّر من شىء فخروجه عنه تكلّف «٤».
(١) لأن الإسلام لم يكن بعد. قد عز واستمكن وانتشر في الأرجاء.
(٢) أي دون أن يكون قصدك على ما تفعل عوضا أو عرضا سواء في الدنيا أو في الآخرة إذ يكفى أن تعلم أي شرف لك أن : تقرض اللّه!!
٣) حدث الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة أن رسول اللّه (ص) قال :«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدا بمن تعول» البخاري ح ٣ ص ١٩١ (كتاب النفقات).
(٤) هكذا في ص وهي في م «تكلف» كما أثبتنا لأن السياق يقتضى ذلك. وتوجد بعد (تكلف) عبارة منبهة فى الخط والمعنى، تشبه أن تكون :(و هو على من يصل إليه ربى به).