لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٥٦٠
و أهل الصفاء لم تبق عليهم من هذه الأشياء بقية، وأمّا من بقي عليه منها شىء فمترسّم «١» سوقيّ.. لا متحقّق صوفيّ.
قوله جل ذكره :«وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» هذا أصل من أصول وجوب متابعته، ولزوم طريقته وسيرته - وفي العلم تفصيله.
والواجب على العبد عرض ما وقع له من الخواطر وما يكاشف به من الأحوال على العلم - فما لا يقبله الكتاب والسّنّة فهو في ضلال «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٨]
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)
يريد أن هذا الفيء لهؤلاء الفقراء الذين كانوا مقدار مائة رجل.
«يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ» وهو الرزق «وَرِضْواناً» بالثواب في الآخرة.
وينصرون دين اللّه، «أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» : والفقير الصادق هو الذي يترك كلّ سبب وعلاقة، ويفرغ أوقاته لعبادة اللّه، ولا يعطف «٣» بقلبه على شىء سوى اللّه، ويقف مع الحقّ راضيا بجريان حكمه فيه.
١) هكذا في م وهي في ص (متوسّم). وعلى الأول يكون المعنى أنه شخص تهمه الرسوم والأشكال، أما باطنه وحقيقته فغير رسمه، وعلى الثاني يكون المعنى أنه يكتفى من التصوف بالسّمة أي العلامة كالثوب مثلا.. وباطنه غير سليم. والربط بين الصفاء والتصوف - كما يتضح من العبارة - عنصر أساسى في مذهب القشيري. (انظر الرسالة باب التصوف).
(٢) نحسب أنه ليس بعد هذا مجال للتخرص بأن الصوفية يجانبون الشريعة أو يقلّلون من قدرها.
فمحصول خواطرهم، ومكاشفاتهم من خلال أحوالهم... كل ذلك ينبغى ألا يكون مرفوضا من الشرع. ومحاولة عقد لقاء بين الحقيقة والشريعة عنصر أساسى آخر في مذهب القشيري - رحمه اللّه.
(٣) عطف يعطف هنا بمعنى مال وانحنى تجاه ناحية تاركا ناحية أخرى - وهذا هو أصل معنى اللفظة قبل أن تأخذ معانيها التوسعة. [.....]