لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٦١٧
«وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ» : أي غير منقوص.. لمّا سمت همّته صلى اللّه عليه وسلم عن طلب الأعواض أثبت اللّه له الأجر، فقال له : إن لك لأجرا غير منقوص - وإن كنت لا تريده.
ومن ذلك الأجر العظيم هذا الخلق، فأنت لست تريد الأجر - وبنا لست تريد فلو لا أن خصصناك بهذا التحرّر لكنت كأمثالك في أنهم في أسر الأعواض.
قوله جل ذكره :«وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» كما عرّفه اللّه سبحانه أخبار من قبله من الأنبياء عرّفه أنه اجتمعت فيه متفرقات أخلاقهم فقال له : إنك لعلى خلق عظيم.
و يقال : إنه عرض عليه مفاتيح الأرض فلم يقبلها، ورقّاه ليلة المعراج، وأراه جميع الملكة والجنة فلم يلتفت إليها، قال تعالى :«ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى » فما التفت يمينا ولا شمالا، ولهذا قال تعالى :«وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».. ويقال :«لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» :
لا بالبلاء تنحرف، ولا بالعطاء تنصرف احتمل صلوات اللّه عليه في الأذى شجّ رأسه وثغره، وكان يقول :
«اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون». وغدا كلّ يقول : نفسى نفسى وهو صلوات اللّه عليه يقول : أمتى أمتى.
ويقال : علّمه محاسن الأخلاق بقوله :«خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» «١».
سأل صلوات اللّه عليه جبريل : بماذا يأمرنى ربى؟ قال : يأمرك بمحاسن الأخلاق يقول لك : صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمّن ظلمك، فتأدّب بهذا فأثنى عليه وقال :«وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
قوله جل ذكره :
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٦ الى ١٦]
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)

_
(١) آية ١٩٩ سورة الأعراف.


الصفحة التالية
Icon