لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٦٥
و يقال : ألاح له نارا ثم لوّح له نورا، ثم بدا ما بدا، ولا كان المقصود النّار ولا النور وإنما سماع نداء :«إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ».
قوله جل ذكره :
[سورة القصص (٢٨) : آية ٣٠]
فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠)
الآية أخفى تعيين قدم موسى على الظنون بهذا الخطاب حيث قال :«مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ»، ثم قال :«فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ» ثم قال «مِنَ الشَّجَرَةِ».
وأخلق بأن تكون تلك البقعة مباركة، فعندها سمع خطاب مولاه بلا واسطة وأعزّ الأماكن في العالم مشهد الأحباب :
و إنى لأهوى الدار ما يستعزنى لها الود إلا أنها من دياركا
و يقال : كم قدم وطئت لك البقعة، ولكن لم يسمع أصحابها بها شيئا!. وكم ليلة جنّت تلك البقعة ولم يظهر من تلك النار فيها شعلة!.
ويقال : شتّان بين شجرة وشجرة شجرة آدم عندها ظهور محنته وفتنته، وشجرة موسى وعندها افتتاح نبوّته ورسالته!.
ويقال : لم يأت بالتفصيل نوع تلك الشجرة «١»، ولا يدرى ما الذي كانت تثمره، بل هي شجرة الوصلة وثمرتها القربة، وأصلها في أرض المحبة وفرعها باسق في سماء الصفوة، وأوراقها الزلفة، وأزهارها تنفتق عن نسيم الرّوح والبهجة :
فلمّا سمع «٢» موسى تغيّر عليه الحال ففى القصة : أنه غشى عليه، وأرسل اللّه إليه الملائكة ليروّحوه بمراوح الأنس، وهذا كان في ابتداء الأمر، والمبتدئ مرفوق به. وفي المرة الأخرى خرّ موسى صعقا، وكان يفيق والملائكة تقول له : يا ابن الحيض. أمثلك من يسأل الرؤية؟!
(١) قيل هي شجرة العليق وقيل العوسج والعوسج إذا عظم يقال له الغرقد (القرطبي).
٢) معروف أن السماع عند الصوفية يصحبه - وخصوصا لدى المبتدئين - تأثيرات عضوية ونفسية حادة