لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٦٧٢
«وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» الذين لا يستوى ظاهرهم وباطنهم في التصديق.
وهكذا كان المتقدمون من أهل الزّلّة والفترة في الطريقة، والخيانة في أحكام المحبة فعذّبوا بالحرمان في عاجلهم، ولم يذوقوا من المعاني شيئا.
قوله جل ذكره :«أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ»؟.
أي : حقير. وإذ قد علمتم ذلك فلم لم تقيسوا أمر البعث عليه؟
و يقال : ذكّرهم أصل خلقتهم لئلا يعجبوا بأحوالهم فإنه لا جنس من المخلوقين والمخلوقات أشدّ دعوى من بنى آدم. فمن الواجب أن يتفكّر الإنسان في أصله... كان نطفة وفي انتهائه يكون جيفة، وفي وسائط حاله كنيف في قميص!! فبالحريّ ألّا يدلّ ولا يفتخر :
كيف يزهو من رجيعه أبد الدهر ضجيعه
فهو منه وإليه وأخوه ورضيعه
و هو يدعوه إلى الحشّ «١» بصغر فيطيعه؟!!
و يقال : يذكّرهم أصلهم.. كيف كان كذلك.. ومع ذلك فقد نقلهم إلى أحسن صورة، قال تعالى :
«وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ»، والذي يفعل ذلك قادر على أن يرقّيك من الأحوال الخسيسة إلى تلك المنازل الشريفة.
قوله جل ذكره :
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٥ الى ٣١]
أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَ أَمْواتاً (٢٦) وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)
انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَ لا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١)
«كِفاتاً» أي : ذات جمع فالأرض تضمهم وتجمعهم أحياء وأمواتا فهم يعيشون على ظهرها، ويودعون بعد الموت في بطنها..
«وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً».

_
(١) الحش بفتح الحاء وضمها - الكنيف.
والمقصود : كيف ترهو أيها الإنسان، وإن ما يقذفه جسمك من فضلات ملازم لك حياتك : ليلك ونهارك، وأنت تطيعه صاغرا إذا أمرك ودعاك بالذهاب إلى الحش؟


الصفحة التالية
Icon