لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٧٣٥
سورة اللّيل
قوله جل ذكره :«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
بسم اللّه كلمة تخبر عن إلهية اللّه وهي استحقاقه لنعوت المجد والتوحّد، وصفات العزّ والتفرّد فمن تجرّد في طلبه عن الكسل، ولم يستوطن مركب العجز والفشل، ووضع النظر موضعه وصل بدليل العقل إلى عرفانه، ومن بذل روحه ونفسه وودّع في الطلب راحته وأنسه، ولم يعرّج في أوطان الوقفة ظفر بحكم الوصل إلى شهود سلطانه، والناس فيه بين موفّق ومخذول، أو مؤيّد ومردود.
قوله جل ذكره :
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١ الى ١٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى (٥) وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى (٨) وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)
يغشى الأفق، وما بين السماء والأرض فيستره بظلمته.
والليل لأصحاب التحيّر يستغرق جميع أقطار أفكارهم فلا يهتدون الرشد.
«وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى» أنار وظهر، ووضح وأسفر.
و نهار أهل العرفان بضياء قلوبهم وأسرارهم، حتى لا يخفى عليهم شى ء، فسكنوا بطلوع الشمس «١» عن تكلّف إيقاد السراج «٢» «وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى » أي :«من» خلق الذكر والأنثى وهو اللّه سبحانه :
«إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى» هذا جواب القسم، والمعنى : إنّ عملكم لمختلف فمنكم : من سعيه في طلب دنياه، ومنكم من سعيه في شهوات نفسه واتباع هواه، ومنكم من في طلب جاهه ومناه، وآخر في طلب عقباه،
_
(١) يقصد شمس التوحيد.
(٢) إذا طلعت شمس التوحيد لم تغن محاولات العقل، لأن نورها يطغى على كل الأنوار.


الصفحة التالية
Icon