ج ٣، ص : ٢٢٠
أخذته فالصقته ببطنها وارضعته فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ترون هذه طارحة ولدها فى النار قلنا لا وهى تقدر على ان لا تطرحه فقال للّه ارحم بعباده من هذه بولدها واعلم ان رحمة اللّه تعالى منها ما يترتب عليها نعماء الدنيا ومنها ما يترتب عليها نعماء الاخرة لارسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الادلة الدالة على التوحيد والموت والبعث بعدها المفضى إلى نعيم الجنان ولقاء الرحمن والعمدة فى الباب والمقصود بالذكر انما هى التي تعلقت بالاخرة كما يدل عليه ما ذكرنا من الأحاديث ويدل عليه قوله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ يعنى ليجمعن اجزاءكم مبعوثين إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الظاهر ان إلى هاهنا بمعنى فى أو المعنى ليجمعنكم فى القبور ميتين إلى يوم القيامة ويفهم منه التزاما انه ثم يبعثكم فتصدرون أشتاتا لتروا أعمالكم والجملة جواب قسم محذوف وهو بدل من الرحمة بدل البعض وبهذا يظهر ان المقصود انما هى الرحمة الاخروية ولما كان الكفار مبالغين فى انكار البعث أكده سبحانه بالقسم بعد الانذار على تكذيب المبلغ الصادق وبيان قدرته عليه بقوله لمن ما فى السموات والأرض وبيان الحكمة فى البعث بقوله كتب على نفسه الرحمة لا رَيْبَ فِيهِ أى فى الجمع أو فى اليوم ولما كان مقتضى الآية عموم رحمة اللّه تعالى موهما شمولها للكفار قال اللّه تعالى لدفع ذلك التوهم وبيان ان حرماتهم من رحمة اللّه تعالى بسوء اختيارهم وخسرانهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالاشراك حيث ضيعوا رأس ما لهم وهو الفطرة السليمة والعقل السليم وفوتوا حظهم من الرحمة واشتروا به العذاب والنقمة الموصول مبتدأ وخبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الفاء للدلالة على ان خسرانهم فى علم اللّه تعالى سبب لعدم ايمانهم وكان القياس العطف على لا ريب فيه ووجه الفصل تقدير السؤال كأنَّه قيل فلم يرتاب الكافرون فاجيب بان خسرانهم أنفسهم صار سببا لعدم الايمان وجاز ان يكون
الموصول منصوبا على الذم وكما يدل هذه الآية على شمول رحمة اللّه تعالى وحرمان الكفار بسوء اختيارهم وخسرانهم يدل عليه حديث أبى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلكم يدخل الجنة الا من شرد على اللّه شرد « ١ » البعير على اهله رواه الطبراني والحاكم بسند صحيح.
وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من السكنى
_________
(١) أى أخرج عن طاعته وفارق الجماعة يقال شرد البعير إذا نفر وذهب فى الأرض ١٢ نهايه