ج ٤، ص : ٣٠٥
أجنحتها رضى لطالب العلم وان العالم يستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض والحيتان فى جوف الماء وان فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بخظ وافر رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة.
الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ هم المصلون ذكرهم باللفظين كأنَّه كرر ذكره للدلالة على فضل الصلاة على سائر العبادات عن ابن مسعود قال سالت النبي صلى اللّه عليه وسلم ايّ الأعمال أحب إلى اللّه قال الصلاة لوقتها قلت ثم أى قال بر الوالدين قلت ثم أى قال الجهاد فى سبيل اللّه متفق عليه وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصلاة عماد الدين رواه أبو نعيم عن الفضل بن دكين وقال الصلاة نور المؤمن رواه ابن عساكر عن أنس وقال الصلاة قربان كل تقى رواه القضاعي عن على وقال عليه السلام اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبى هريرة الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالايمان والطاعة وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشرك والمعصية وقيل المعروف السنة والمنكر البدعة ذكر العاطف بينهما للدلالة على ان مجموعهما خصلة واحدة وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ أى فيما بينه وبين اللّه تعالى من الحقائق والشرائع قيل أورد العاطف هاهنا للتنبيه على ان ما قبله تفصيل الفضائل وهذا اجمالها قلت لعل اللّه سبحانه أورد العاطف هاهنا لأن اللّه سبحانه ذكر اولا إتيان الحسنات المذكورات ثم ذكر محافظة حد كل منها بلا زيادة من قبل نفسه رهبانيته ابتدعوها وبلا نقصان صورة ولا معنى فكان الأشياء المذكورة قبلها مجموعها شىء واحد يعبر عنها بإتيان الشرائع وهذا شىء اخر كناية عن الإخلاص والحضور التام المستفاد من صحبة ارباب القلوب فان محافظة الحدود لا يتصور الا بحضور تام دائم واللّه اعلم وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) يعنى الموصوفين بتلك الفضائل وضع المؤمنين موضع ضميرهم للدلالة على ان ايمانهم دعاهم إلى ذلك وان المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنَّه قيل بشرهم بما لا يدركه الافهام ولا يحيط الكلام ولم يسمعه الاذان واللّه اعلم روى الشيخان فى الصحيحين عن سعيد التفسير
المظهري، ج ٤، ص : ٣٠٦
بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد اللّه بن أبى امية بن المغيرة فقال أى عم قل لا اله الا اللّه كلمة أحاجّ لك بها عند اللّه فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبى امية أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد انه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب اخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وزاد فى رواية وابى ان يقول لا اله الا اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واللّه لاستغفرن لك ما لم انه عنك فنزلت.
ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) بان ماتوا على الكفر فيه دليل على جواز الاستغفار لاحيائهم فانه طلب لتوفيقهم للايمان وروى مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمه قل لا اله الا اللّه اشهد لك يوم القيامة قال لو لا ان يعير قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع لاقررت بها عينك فانزل اللّه تعالى انك لا تهدى من أحببت ولكن اللّه يهدى من يشاء وروى البخاري عن أبى سعيد الخدري انه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم وذكر عنده عمه فقال لعله ينفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح « ١ » من نار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه هذا الحديث المذكور يدل على ان الآية نزلت بمكة فى أبى طالب وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم عن على قال سمعت رجلا يستغفر لابويه وهما مشركان فقلت له ا تستغفر لك لابويك وهما مشركان فقال استغفر ابراهيم لابيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية ولعل هذه القصة قارنت قصة موت أبى طالب فنزلت الآية فيهما وما يدل على ان الآية نزلت فى امنة أم النبي صلى اللّه عليه وسلم وعبد اللّه أبيه فلا يصلح منها شيء وليس شيء منها ما يصلح ان يعارض ما ذكرنا فى القوة فيجب ردها منها ما رواه الحاكم والبيهقي فى الدلائل من طريق أيوب بن هانى عن مسروق عن ابن مسعود قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما إلى المقابر وخرجنا معه فامرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلا
_________
(١) الضحضاح ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار ١٢.


الصفحة التالية
Icon