ج ٥، ص : ٥
خلاف العادة ووجه الإنكار على استعجابهم ان عادة الله تعالى جارية من بدء خلق آدم عليه السلام على بعث الرسل من البشر ومن ثمّ انزل اللّه تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا - وأيضا عادة الملوك جارية بان الكتاب والخطاب يكون بلسان المخاطبين والرسول من جنس من أرسل إليهم فانه لا بد للافادة والاستفادة من المناسبة بينهما - قال الله تعالى قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا...
إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ يعنى من احاد رجالهم دون عظيم من عظمائهم - قالوا وان كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة لَوْ لا « ١ » نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أحد اشرف من محمد صلى اللّه عليه وسلم يعنون الوليد بن مغيرة من مكة ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف فانزل الله تعالى ردا عليهم أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الآية - وكان هذا من فرط حماقتهم وجهلهم بحقيقة الوحى - وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعظم وأتم وأكمل فى كرائم الأوصاف وفى كل شيء الا فى المال وخفة الحال أعون شيء فى هذا الباب ولذلك كان اكثر الأنبياء قبله كذلك أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ان هى المفسرة أو المخففة من الثقيلة فى موضع مفعول أَوْحَيْنا وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا عم الانذار إذ قلّ من أحد ليس فيه ما ينبغى منه الانذار - وخص البشارة بالمؤمنين لعدم استحقاق الكفار به أَنْ أى بانّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال عطاء أى مقام صدق لا زوال له ولا بؤس فيه - يعنى منزلة رفيعة يسبقون إليها ويقيمون فيها - سمّيت قدما لأن السبق والقيام يكون بالقدم كما سميت النعمة يدا لانها تعطى باليد - واضافتها إلى الصدق لتحققها وللتنبيه على انهم انما ينالونها بصدق القول والنية - واصدق القول شهادة ان لا اله الا اللّه - ويعود إلى ما قلنا ما قال ابن عباس فى تفسير القدم أى اجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم - وما قال الضحاك واى ثواب صدق فان المنزلة عند اللّه يعبر بالأجر والثواب - وقال الحسن يعنى به عملا صالحا اسلفوه يقدمون عليه - فهو بشارة بانهم يجدون عند ربهم ما قدموا من الأعمال فالقدم بمعنى التقدم - وقال أبو عبيدة كل سابق فى خير أو شر فهو عند العرب قدم يقال لفلان قدم فى الإسلام - وله عندى قدم صدق أو قدم سوء - وروى على بن أبى طلحة
_________
(١) فى الأصل لو لا انزل


الصفحة التالية
Icon