ج ٥، ص : ٣٨
والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ - أو صحائف الأعمال للحفظة -.
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الناس يوم القيامة من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) حينئذ بفوات مأمول - اعلم ان الولاء والتوالي فى اللغة ان يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما - ويستعار للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد - وفى القاموس الولي القرب والدّنو والولىّ اسم « ١ » منه بمعنى القريب والمحبّ والصديق والنصير فاعلم ان لله سبحانه بعباده بل بجميع خلقه قربا « ٢ » غير متكيف كما يدل عليه قوله تعالى نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وذلك القرب هو الموجب لوجود الممكنات فما لم يحصل للممكن ذلك القرب بالواجب تعالى لم يشم رائحة الوجود فان له فى نفسه ليس - وله سبحانه بخواص عباده قرب اخر غير متكيف أيضا وذلك قرب المحبة ويتمثل هذا القرب فى عالم المثال بنظر الكشف بصورة القرب الجسماني - وهذان القربان لا اشتراك بينهما الا من حيث الاسم - وهذا القرب الثاني له درجات ومراتب غير متناهية كما يدل عليه الحديث القدسىّ - لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتّى أحببته فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به الحديث رواه البخاري عن أبى هريرة - وادنى درجات هذا القرب يحصل بمجرد الايمان قال اللّه تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا - وأعلى درجاته نصيب الأنبياء ونصيب سيدنا محمّد صلى اللّه عليه وسلم - وله صلى اللّه عليه وسلم ترقيات لا تتناهى إلى ابد الآبدين - وادنى ما يعتد به ويطلق عليه اسم الولي فى اصطلاح الصوفية والمراد بهذه الآية ان شاء اللّه تعالى من كان قلبه مستغرقا فى ذكر اللّه يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ممتليا بحب اللّه تعالى لا يسع فيه غيره وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ - فلا يحبّ أحدا
الا للّه - ولا يبغض الا للّه - ولا يعطى الا لله - ولا يمنع الا لله - فهم المتحابون فى اللّه والصوفية العلية « ٣ » يسمون هذه الصفة بفناء القلب - فكان ظاهره وباطنه متحليا بتقوى يقى نفسه عما يكرهه اللّه تعالى من الأعمال والأخلاق - فكان نفسه منزها عن الرذائل من الشرك الجلى
_________
(١) فى الأصل الاسم
(٢) فى الأصل قرب
(٣) وصّفنا الصوفية بالعلية لعلوهم درجة لاستنادهم إلى على رضى اللّه عنه فانه قطب هذا المقام ١٢ منه رحمه اللّه