ج ٥، ص : ٧٤
ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) من الحسنات فى الدنيا لأنه لم يعمل على ما ينبغى وكانّ كلّ واحدة من الجملتين علة لما قبلها - والظاهر ان هذه الآية فى حق الكفار - روى البخاري عن عمر بن الخطاب فى حديث طويل انه قال رفعت بصرى فى بيته صلى اللّه عليه وسلم فو اللّه ما رايت فيه شيئا يرد البصر غير اهبة ثلاثة فقلت يا رسول اللّه ادع اللّه فليوسع على أمتك فان فارس والروم قد وسع عليهم واعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون اللّه فجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان متكيا فقال أو فى هذا أنت يا ابن الخطاب ان أولئك قوم عجلوا طيباتهم فى الحيوة الدنيا واما المؤمن فيريد الدنيا والاخرة - وإرادته الاخرة غالبة فيجازى بحسناته فى الدنيا ويثاب عليها فى الاخرة - عن أنس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ان اللّه لا يظلم المؤمن حسنة يعطى عليها فى الدنيا ويثاب عليها فى الاخرة واما الكافر فيطعم بحسناته فى الدنيا حتّى إذا افضى إلى الاخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا رواه مسلم واحمد - قلت وقوله تعالى لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ قرينة دلت على ان الآية فى حق الكفار للاجماع على ان مال المؤمن إلى الجنة ألبتة - وقيل هذه الآية فى حق أهل الرياء عن أبى سعيد بن فضالة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إذا جمع اللّه الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك فى عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير اللّه فان اللّه اغنى الشركاء عن الشرك رواه أحمد وعن أنس ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من كانت نيته طلب الاخرة جعل اللّه غناه فى قلبه وجمع اللّه شمله وأتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل اللّه الفقر بين عينيه وشتت عليه امره ولا يأتيه منها الا ما كتب له رواه الترمذي ورواه أحمد والدارمي عن ابان عن زيد بن ثابت - وقوله تعالى نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ « ١ »
فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ لا ينافى قوله عليه السلام لا يأتيه منها الا ما كتب له لأن إيفاء أعمالهم فى الدنيا بحيث لا يبخسون مكتوب لهم ويأتيهم ألبتة ولا يأتيه ما يزيد عليه وان كان طالب الدنيا يطلب ما لا نهاية له فانه لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا - قلت وان كانت هذه الآية فى أهل الرياء فمعنى قوله تعالى لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ انه ليس لهم جزاء ما يراءون فيه الا النار -
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ برهان مِنْ رَبِّهِ يدله على الحق والصواب فيختار عبادة اللّه على عبادة الأوثان والدار الاخرة الباقية ونعيمها على الدار الدنيا الفانية ولذاتها - الموصول
_________
(١) فى الأصل أعمالهم وهم فيها -