ج ٥، ص : ١٢٣
ان قوله صلى اللّه عليه وسلم شيّبتنى سورة هود مبنى على اشتمالها على قصص هلاك الأمم المشعر بالوعيد بالهلاك للظالمين من أمته - وذكر يوم القيامة كما سنذكر فى اخر السورة ان شاء اللّه تعالى وَلا تَطْغَوْا يعنى لا تجاوزوا عن حدود الشرع - وقيل معناه لا تغلوا فتزيدوا على ما أمرت ونهيته عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ان الدين يسرو لن يشاد الدين أحد الا غلبه فسددوا وقاربوا وبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة رواه البخاري والنسائي قلت وهذا الحديث أيضا يدل على ان تشييب السورة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما كان لثقل الاستقامة واللّه اعلم - إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قال ابن عباس أى لا تميلوا والركون المحبة والميل بالقلب - وقال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم - وقال السدى لا تداهنوا الظلمة - وقال عكرمة لا تطيعوهم - وقيل لا تسكنوا إلى الذين ظلموا قال البيضاوي لا تميلوا إليهم ادنى ميل فان الركون هو الميل اليسير كالتزين بزيّهم وتعظيم ذكرهم فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بركونكم إليهم - قال البيضاوي وإذا كان الركون إلى الظالمين كذلك فما ظنك بالميل كل الميل إليهم - ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه - ولعل الآية ابلغ ما يتصور فى النهى عن الظلم - روى ان رجلا صلى خلف الامام فلما قرأ هذه الآية غشى عليه فلما أفاق قيل له فقال هذا فيمن ركن إلى الظلم فكيف بالظالم - وعن الحسن جعل اللّه الدين بين لائين لا تطغوا ولا تركنوا - وعن الأوزاعي ما من شيء ابغض إلى اللّه من عالم يزور ظالما - وعن أوس انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول من مشى مع ظالم ليقويه وهو يعلم انه ظالم فقد خرج من الإسلام - وعن أبى هريرة انه سمع رجلا يقول ان الظالم لا يضر الا نفسه - فقال أبو هريرة بلى واللّه حتّى الحبارى لتموت فى وكرها هزلا بظلم
الظالم - روى الحديثين فى شعب الايمان قال البيضاوي خطاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بهذه الآية للتثبيت على الاستقامة الّتي هى العدل فان الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفى افراط أو تفريط ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم فى نفسه وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ أى من أنصار يمنعون عنكم العذاب والواو للحال من مفعول فتمسكم النّار ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) أى ثم لا ينصركم اللّه إذ سبق فى حكمه ان يعذبكم فيه وثم لاستبعاد النصر من اللّه تعالى - أو لاستبعاد النصر مطلقا فانه لما ذكر


الصفحة التالية
Icon