ج ٥، ص : ١٨٩
قلبه بغير اللّه سبحانه ولا يسع فيه محبة أحد من الخلائق - فما بال يعقوب عليه السلام وهو من الأنبياء الكبار والمصطفين الأخيار اولى الأيدي والابصار - قد شغفه حب يوسف عليه السلام الكريم حتّى ابيضت عيناه من البكاء عليه وهو كظيم - وما قيل ان العالم بأسرها مجال ومرايا لله سبحانه - فاشتغال قلبه بيوسف اشتغال به تعالى على الحقيقة - فذلك قول فى غلبة التوحيد لاهل الابتداء أو التوسط ويستنكف عنه أهل الانتهاء فكيف الأنبياء عليهم السلام - ولو كان كذلك فلا وجه حينئذ لتخصيص تعلق الحب بيوسف عليه السلام دون غيره - والجواب عن الاشكال ان هذا مختص بالنشأة الدنيوية يعنى لا يمكن اشتغال قلب الصوفي بعد الفناء بشيء من الأشياء الدنيوية واما الأشياء الاخروية فليس هذا شأنها - فان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر اللّه وما والاه وعالما ومتعلما - رواه ابن ماجة عن أبى هريرة والطبراني عن ابن مسعود بسند صحيح والبزار عن ابن مسعود نحوه والطبراني بسند صحيح عن أبى الدرداء - بخلاف الاخرة فانها مرضية لله تعالى وتعلق القلب بها مرضى لله تعالى قال اللّه تعالى وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ - يعنى اولى القوة فى طاعة اللّه والبصارة فى معرفة اللّه تعالى وأحكامه - إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ - أى جعلناهم خالصين بخصلة خالصة لا شوب فيها هى ذكر الدار الاخرة - قال مالك بن دينار نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الاخرة وذكرها - وجعلنا الاخرة مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون - واطلاق الدار على الاخرة للاشعار بانها الدار على الحقيقة والدنيا معبر - هذه الآية صريح فى ان الاخرة مرضية لله تعالى وحبها وما فيها موجب للمدح - وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قيل لى يعنى فى المنام سيد بنى دارا و
صنع مأدبة وأرسل داعيا - فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد - ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد - قال فالله السيد ومحمّد داعى والدار الإسلام والمأدبة الجنة - رواه الدارمي عن ربيعة الجرشى - وهذا غاية معرفة الأكملين لم يطلع عليها المتوسطون « ١ » فضلا عن أهل الابتداء والعوام - ولو كانت رابعة البصرية مطلعة على ذلك لما قالت أريد ان احرق الجنة كيلا يعبد الناس اللّه تعالى لاجلها - الم تسمع قوله تعالى مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ
_________
(١) فى الأصل المتوسطين -