ج ٥، ص : ٣٣٩
الشبهتين ان الرضاء يلازم المشية وليس كذلك كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فاشركوا بالله وحرموا حله وردوا له وقالوا مثل قول هؤلاء فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) يعنى ليس عليهم الهداية فانها بيد اللّه تعالى وعلى مشيته انما عليهم التبليغ الموضح لمرضات اللّه تعالى - ثم بيّن ان البعثة امر جرت السنة الالهية فى الأمم كلها « ١ » بكونها سببا لهدى من شاء هدايته وزيادة الضلال لمن شاء ضلاله وكالغذاء الصالح ينفع المزاج الصالح ويقويه ويضر المنحرف ويعينه فى الانحراف بقوله.
وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعنى أرسله اللّه إليهم بان اعبدوا اللّه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ أى لا تطيعوا الشيطان الطاغي فى معصية اللّه فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ أى شاء هدايتهم ووفقهم للايمان بإرشادهم وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ أى وجبت بالقضاء السابق عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فلم يوفقهم ولم يرد هداهم فاهلكهم اللّه على كفرهم واخلى ديارهم فتركوا بئرا معطلة وقصرا مشيدا فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يا معشر قريش فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) للرسل من عاد وثمود وقوم لوط واصحاب الايكة - وفيه حل لاشكالهم المبنى على كون المشية والرضاء متلازمين إذ لو كان كذلك لما عذبهم اللّه بكفرهم المبنى على مشية اللّه ثم بين اللّه سبحانه لرسوله صلى اللّه عليه وسلم ان هؤلاءالكفار من قريش ممن حقت عليهم الضلالة حتّى لا يتعب نفسه ولا يحرص على هداهم فقال.
إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ قرأ الكوفيون لا يهدى بفتح الياء وكسر الدال على البناء للفاعل يعنى لا يهدى اللّه من يرد ضلاله وهو المعنى ل مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ والباقون بضم الياء وفتح الدال على البناء للمفعول فقوله مَنْ يُضِلُّ مبتدا خبره لا يهدى يعنى من يضلّه اللّه لا يهدى أى لا هادى له أحد والجملة خبر ان واللّه اسمه وَما لَهُمْ أى لمن أضلهم اللّه مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) يمنعونهم من جريان حكم اللّه عليهم ويدفعون عنهم عذابه الّذي أعد لهم وتقدير الكلام
_________
(١) فى الأصل كلها سببا -


الصفحة التالية
Icon