ج ٥، ص : ٣٩١
من المواطن لامثلن بسبعين منهم مكانك - فلمّا راى المسلمون حزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا واللّه لأن ظفرنا اللّه تعالى يوما بهم من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب - قال أبو هريرة كما رواه ابن سعد والبزار وابن المنذر والبيهقي فى الدلائل والحاكم فنزل جبرئيل (و النبي صلى اللّه عليه وسلم واقف) بخواتيم سورة النحل.
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ العقوبة والعقاب هو جزاء السيئة وانما سمى الفعل الأول عقوبة وانما هى الثانية لازدواج الكلام كما فى قوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها مع ان الثانية ليست بسيئة والمعنى لا تجاوزوا فى جزاء السيئة عن المماثلة وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عن الانتقام والمعاقبة لَهُوَ أى الصبر خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) من الانتقام وضع المظهر موضع المضمر والتقدير فهو خير لكم ثناء من اللّه عليهم بانهم صابرون على الشدائد - حث اللّه سبحانه على العفو تعريضا بقوله وَإِنْ عاقَبْتُمْ وتصريحا على الوجه الاكد بقوله وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ الآية - ثم صرح بالعفو لرسوله صلى اللّه عليه وسلم لأنه اولى الناس به لوفور علمه ووثوقه عليه فقال.
وَاصْبِرْ على أذى الكفار وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ أى بتوفيقه واعانته وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أى على الكافرين أو على المؤمنين وما فعل بهم وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ أى ضيق صدر مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) أى الكفار بالمؤمنين يعنى لا تهتم بمكرهم فانا ناصرك عليهم وعلينا جزاؤهم - قرأ ابن كثير هاهنا وفى النمل ضيق بكسر الضاد والباقون بالفتح فى الموضعين وهما لغتان كالقول والقيل - وقال أبو عمرو الضيق بالفتح الغم وبالكسر الشدة وقال أبو عبيدة الضيق بالكسر قلة فى المعاش والمساكن فاما ما كان فى القلب والصدر فانه بالفتح وهذان القولان يأبى عنهما كتاب اللّه فان القرائتين متواترتان والمراد انما هو الغم فالصحيح ما قالوا انهما لغتان بمعنى - وقال أبو قتيبة الضيق بالفتح تخفيف ضيّق مثل هين وهيّن ولين وليّن فعلى هذا هو صفة كأنَّه قال فلا تكن فى امر ضيّق من مكرهم.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا المعاصي وَالَّذِينَ هُمْ