ج ٥، ص : ٤٢٨
قوله تعالى وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
اى متنعميها وجبائرتها - قرأ مجاهد امّرنا بالتشديد أى سلّطنا وجعلناهم أمراء - وقرا الحسن وقتادة ويعقوب أمرنا بالمد أى أكثرنا - وقرا الجمهور مقصورا مخففا أى أمرنا مترفيها بالطاعة على لسان رسول بعث إليهم - ويدل على هذا التقدير قوله تعالى فيما قبل وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وفيما بعد فَفَسَقُوا فِيها
فان الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد فى العصيان - فيدل على الطاعة - وقيل معنى الآية أَمَرْنا مُتْرَفِيها
بالفسق ففسقوا - كقولك أمرته فجلس فانه لا يفهم منه الا الأمر بالجلوس - والأمر حينئذ ليس بمعناه الحقيقي ف إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ - لكنه مجاز من الحمل عليه والتسبيب له - بان صبّ عليهم من النعم ما ابطرهم وامضى بهم إلى الفسوق - وقيل معناه معنى كثّرنا يقال أمرت الشيء وأمرته فامر أى كثرته فكثر - وفى الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مامورة أى طريقة مصطفة من النخل مصلحة - وولد الفرس أنثى أى كثير النسل والنتاج ومنه قول أبى سفيان فى حديث هرقل لقد امر امر ابن أبى كبشة أى كثر وارتفع شأنه - يعنى النبي صلى اللّه عليه وسلم ومنه الحديث ان رجلا قال له مالى ارى أمرك يأمر - قال واللّه ليامرن أى يزيد على ما ترى - ومنه حديث ابن مسعود قال كنا نقول فى الجاهلية قد امر بنوا فلان أى كثروا - وفى القاموس امره وامره كنصره لغيّة كثر نسله وماشيته - ويحتمل ان يكون منقولا من امر بالضم امارة أى جعلناهم أمراء - وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم - ولانهم اسرع إلى الحماقة واقدر على الفجور فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
اى وجب عليها الكلمة السابقة بالعذاب بحلوله أو الكلمة السابقة بظهور معاصيهم أو انهماكهم فيها فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
(١٦) أى أهلكناها بهلاك أهلها وتخريب ديارها - روى البخاري عن أم حبيبة بنت أبى سفيان عن زينب بنت جحش ان النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل عليها فزعا وهو يقول لا اله الا اللّه ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ددم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والّتي يليها - قالت زينب فقلت يا رسول اللّه أيهلك وفيها الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث.