ج ٦، ص : ١٧٣
لقوله تعالى نمتّعه « ١ » قليلا ثمّ نضطرّه إلى عذاب النّار فالمعنى انه من اعرض عن ذكرى نعطيه في الدنيا معيشة قليلة فان متاع الدنيا قليل كله نعطيه أياما معدودة في نوع من الضيق ثم نحشره يوم القيامة أعمى - ثانيهما ان معيشة الدنيا لا يخلو لاحد من المؤمن والكافر عن تعب وبلاء - قال اللّه يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ أى إلى لقائه غير ان ذلك التعب للمؤمن موجب لمحو الخطيات أو رفع الدرجات كما يدل عليه الحديث المذكور فهو وان كان ضيق صورة لكنه فرج معنى وسبب لانشراح صدره باطنا بخلاف الكافر فان ضيقه وتعبه أنموذج لعذابه المعد له في الاخرة - ثم إذا صح للعبد المؤمن حب مع اللّه سبحانه فكل ما أصابه ووصله من اللّه تعالى يلتزبه ويفرح فان ضرب الحبيب زبيب - روى الحديث المذكور ابن ماجة وعبد الرزاق والحاكم عن أبى سعيد الخدري رضى اللّه عنه بلفظ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشد البلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى الفقر حتى ما يجد الا العباءة يحويها ويلبسها ويبتلى بالقمل حتى يقتله - ولاحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء واللّه اعلم وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قال ابن عباس أعمى البصر وقال مجاهد أعمى عن الحجة - ويويد قول ابن عباس قوله تعالى.
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ في الدّنيا بَصِيراً (١٢٥) فانه لم يكن له في الدنيا حجة قال اللّه تعالى وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ - وقال مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى - أخرج ابن أبى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رجلا ساله فقال ارايت قوله تعالى وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً واخرى عميا - قال ان يوم القيامة يكونون في حال زرقا وفي حال عميا.
قالَ كَذلِكَ متعلق بفعل محذوف أى فعلت أنت كذلك اشارة إلى مبهم يفسر قوله أَتَتْكَ آياتُنا الدالة على الوحدانية أو آياتنا المنزلة على الأنبياء فَنَسِيتَها فاعرضت عنها وتركتها غير منظور إليها كما يترك الأعمى وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) يعنى اليوم تترك في النار تركا مثل تركك إياها - و
_________
(١) وفي القرآن فامتّعه، قليلا ثمّ اضطرّه إلى عذاب النّار - البقرة - نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عذاب غليظ - لقمان - أبو محمد