ج ٦، ص : ١٩١
استفظاعا وتبكيتا وإظهارا لجهلهم - أو ضما لانكار ما يكون لهم سندا من النقل إلى ما يكون لهم دليلا من العقل - والمعنى أوجد والهة ينشرون الموتى فاتخذوهم الهة لما راو فيها من خصائص الالوهية - أو وجدوا في الكتب الالهية السماوية الأمر باشراكهم فاتخذوها الهة متابعة للامر - ويعضد ذلك التأويل انه رتب على الأول ما يدل على فساده عقلا وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلا قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على الإشراك اما من العقل أو من النقل فانه لا يصح القول بما لا دليل عليه - كيف وتطابقت الحجج على بطلانه عقلا كما مر ونقلا فان هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى هذا القرآن والتورية والإنجيل الموجود بين ايديكم ذكر أمتي أى عظتهم إلى يوم القيامة وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي أى عظة الأمم الماضية - روى عطاء عن ابن عباس ذكر من معى القرآن وذكر من قبلى التورية والإنجيل - يعنى راجعوا إلى الكتب السماوية من القرآن والتوراة والإنجيل وغيرها هل تجدون فيها ان اللّه تعالى اتخذ شريكا أو ولدا أو امر لعبادة غيره - والتوحيد لم يتوقف عليه صحة بعثة الرسل وإنزال الكتب فصح الاستدلال فيه بالنقل فان قيل مشركوا مكة لم يكونوا مسلمين لكتب السماوية لا سيما للقران - فكيف يصح عليهم الاحتجاج بها - قلنا لما كان صحة الكتب السماوية لا سيما القرآن باعجازه واضحا بينا وانكارهم انما كان عنادا لم يعتد بانكارهم وجعها كالمسلّمة لكونها مسلّمة عند الانصاف واللّه اعلم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ولا يميزون بينه وبين الباطل مع سطوع برهانه إضراب من الاتعاظ المفهوم من اضافة الذكر إلى من معى فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) من الحق أى التوحيد واتباع الرسول لاجل ذلك.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي قرأ حفص وحمزة والكسائي بالنون وكسر الحاء على التعظيم وضمير المتكلم والباقون بالياء التحتانية وفتح الحاء على البناء المفعول إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) أى فاعبدونى وحدي لا تشركوا بى شيئا - وهذا تعميم بعد تخصيص يعنى ليس الأمر بالتوحيد منحصرا في القرآن والتورية والإنجيل الموجودة بين أظهرهم مشار إليها بهذا في قوله هذا ذكر من معى وذكر من قبلى بل كل رسول أرسلناه كنّا نوحى إليهم التوحيد.
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ