ج ٦، ص : ٢٢١
والحرث فانطلق فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنَّه لم يكن ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمان الحرث إلى أيوب وهو قائم يصلى فقال له مثل القول الأول فرد عليه مثل رد الأول كلما انتهى إليه هلاك مال من أمواله حمد اللّه واحسن الثناء عليه ورضى منه بالقضاء ووطن نفسه بالصبر على البلاء حتى لم يبق له مال فلما إبليس انه قد أفنى ماله صعد فقال الهى ان أيوب يرى منك انك ما منحته بولده فانت معطيه المال فهل أنت تسلطنى على ولده فانها المصيبة الّتي لا يقوم لها قلوب الرجال قال اللّه تعالى وقد سلطتك على ولده فانقضى عدو اللّه حتى جاء بنى أيوب وهم في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم من قواعدها ثم جعل يناطح « ١ » جدره بعضها ببعض ويرميهم بالخشب والجندل « ٢ » حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع القصر فقلبه فصاروا منكوسين وانطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الّذي كان يعلمهم الحكمة وهو جريح مشدوخ الوجه يسيل دمه ودماغه فاخبره وقال لو رأيت بنيك كيف عذبوا وقلبوا فكانوا منكسين على رؤسهم يسيل دمائهم ودماغهم ولو رأيت كيف سقطت بطونهم فتناثرت امعاؤهم تقطع قلبك فلم يزل يقول هذا ونحوه حتى رقّ أيوب فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه وقال ليت أمي لم تلدنى فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ثم لم يلبث أيوب ان فاء وابصر واستغفر وصعد قرناؤه من الملئكة بتوبته فسبقت توبته إلى اللّه عزّ وجلّ وهو اعلم فوقف إبليس ذليلا فقال يا الهى انما هوّن على أيوب المال والولد انه يرى منك ما متعته بنفسه فانت تعيد المال والولد فهل أنت تسلّطنى على جسده فقال اللّه تعالى انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن ليس سلطان على لسانه ولا على قلبه وكان اللّه عزّ وجلّ اعلم به لم يسلط عليه الا رحمة ليعظم له الثواب
_________
(١) نطحه أصابه لقرنه ١٢ قاموس.
(٢) الجندل كجعفر ما يقله الرجل من الجمارة ١٢ قاموس.


الصفحة التالية
Icon