ج ١، ص : ٢٩
التجارة طلب الربح أى الفضل على رأس المال بالبيع والشراء - وأسند الربح إليها مجازا لتلبسها بالفاعل أو لانها سبب الريح كالفاعل وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) بالتجارة إذ المقصود من التجارة حصول الربح مع سلامة رأس المال - وهم ضيعوا رأس المال وهى الفطرة وما حصلوا الفضل بإدراك الحق ونيل الكمال -.
مَثَلُهُمْ - المثل - والمثل - والمثيل - بمعنى النظير - ثم قيل للقول السائر الممثل مضربة بمورده ولا يضرب الا ما فيه غرابة ثم استعير لكل حال غريب أى حالهم الغريب كَمَثَلِ الَّذِي أى الذين كما في قوله وخضتم كالّذى خاضوا وانما جاز ذلك دون القائم مقام القائمين لأنه غير مقصود بالوصف بل الجملة التي هى صلة - ولانه ليس باسم تام بل كالجزء منه وحقه ان لا يجمع وليس الذين جمعه بل ذو زيادة تدلّ على زيادة المعنى ولذا جاء بالياء ابدا - اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ النار - ما حَوْلَهُ أى المستوقد - ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ جواب لمّا ولم يقل بنارهم لأن النور هو المقصود - واسناد الفعل إلى اللّه لأن الكل بفعله - أو لأن الإطفاء حصل بسبب خفى - أو سماوى - أو للمبالغة - أو الجواب محذوف للايجاز وعدم الالتباس كما في قوله تعالى - فَلَمَّا « ١ » ذَهَبُوا بِهِ - والجملة استيناف جواب سائل يقول ما بالهم شبّههم « ٢ » - بحال من استوقد فانطفت ناره - أو بدل من جملة التمثيل على سبيل البيان والضمير على هذين الوجهين للمنافقين - وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) ذكر الظلمة وجمعها ونكرها ووصفها بانه لا يتراى فيها شىء للمبالغة في بيان شدته كانها ظلمات متراكمة - ولما تضمن ترك معنى صير جرى مجرى افعال القلوب - وترك مفعول لا يبصرون - كانّ الفعل غير متعد بمعنى لا يقع منهم الابصار - والآية مثل ضربه اللّه لمن أتاه ضربا من الهدى فاضاعه ولم يتوصل به إلى نعيم الابد فبقى متحيرا متحسرا تقريرا وتوضيحا لما تضمنته الآية الاولى - فانهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق باستبطان الكفر - أو مثل لايمانهم من حيث انه يعود عليهم بحقن الدماء والأموال ومشاركة المسلمين في المغانم - والاحكام بالنار ولذهاب اثره باهلاكهم في الاخرة أو افشاء حالهم في الدنيا بإطفاء اللّه إياه.
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أى هم صم بكم عمى - يعنى الّذى استوقد نارا - لما ذهب اللّه بنورهم وتركهم في ظلمات
_________
(٢) فى الأصل شبّهتهم ١٢


الصفحة التالية
Icon