ج ٧، ص : ٢١٤
وضع الضمير موضع من يشاء أى ويقدر لمن يشاء منهم لأن من يشاء منهم غير معين وكان الضمير مبهما مثله إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (٦٢) يعلم مصالح كل شىء ومفاسده قال اللّه تعالى ان من عبادى المؤمنين لمن يسئلنى الباب من العبادة فاكفه عنه لا يدخله عجب فيفسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الغناء ولو أفقرته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الفقر ولو أغنيته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الصحة ولو أسقمته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لا يصلح إيمانه الا السقم ولو اصححته لافسده ذلك انى أدبر امر عبادى بعلمي فى قلوبهم انى عليم خبير - رواه البغوي فى حديث طويل عن أنس وسنذكره فى سورة الشورى إنشاء اللّه تعالى.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى أهل مكة عطف على لأن سالتهم والكلام فيه مثل ما مرّ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ يعنى أهل مكة معترفون بان موجد الأشياء كلها بسائطها ومركباتها أصولها وفروعها هو اللّه لا غير ومع ذلك يشركون به فى العبادة بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شى قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما عصمك عن مثل هذه الضلالة أو على تصديقك واظهار حجتك بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ « ١ » قبح صنيعهم وتناقض أقوالهم حيث يقرون بانه المبدأ لكل ما عداه ومع ذلك يشركون به اخس الموجودات وأعجزها.
وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا اشارة تحقير إِلَّا لَهْوٌ وهو ما يشغله عما يغنيه فان اشتغال المرء بالدنيا يشغله عما يفيده فى الحيوة المؤبدة وَلَعِبٌ أى عبث سميت بها لانها فانية وما يفعل المرء فى الحيوة الدنيا من الطاعات فهى ليست من الدنيا بل هى من امور الاخرة لظهور ثمرتها فيها وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ أى دار الحيوان يعنى ليس فيها الا الحيوة لامتناع طريان الموت عليها أو جعلت ذاتها حيوة للمبالغة والحيوان مصدر بمعنى الحيوة أصله حييان قلبت الياء الثانية واو أو هو ابلغ من الحيوة لما فى بناء فعلان من الدلالة من الحركة والاضطراب اللازم للحيوة ولذلك اختير عنها هاهنا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فناء الدنيا وبقاء الاخرة لم يؤثروا الدنيا على الاخرة.
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ وخافوا الغرق متصل بما دل عليه شرح حالهم أى هم على ما وضعوا من الشرك والعناد إذا ركبوا فى الفلك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أى يدعون
_________
(١) وفى الأصل لا يعلمون -