ج ٨، ص : ٥٤
وجلاله والعلم بصفات كماله يستلزم الخشية وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم قال البغوي قال ابن عباس يريد انما يخافنى من خلقى من علم جبروتى وعزتى وسلطانى فكل من « الجبروت فعلوت من الجبر بمعنى القهر منه » كان اعلم باللّه وصفاته كان أخشى منه روى الشيخان فى الصحيحين عن عائشة قالت صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فخطب فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال ما بال أقوام يتنزّهون عن الشيء اصنعه فو اللّه انى أعلمهم باللّه وأشدهم له خشية وروى الدارمي عن مكحول مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم ثم تلا هذه الآية انّما يخشى اللّه من عباده العلماء وروى البخاري فى الصحيح عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا - فكمال الخشية للانبياء ثم للاولياء وهم علماء الحقيقة ثم الأمثل فالامثل قال مسروق كفى بخشية اللّه علما وكفى بالاغترار جهلا قال الشعبي العالم من يخشى اللّه إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) تعليل لوجوب الخشية لدلالة على انه عزيز فى ملكه معاقب للمصرّ على طغيانه غفور للتائب من عصيانه..
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ أى يداومون على قراءته واتباع ما فيه حتى صارت عنوانا لهم والمراد بكتاب اللّه القرآن أو جنس كتب اللّه فيكون ثناء على المصدقين من الأمم والقراء العلماء منهم بعد اقتصاص حال المكذبين وَأَقامُوا الصَّلاةَ أى اداموها مع رعاية حقوقها وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يعنى كيف ما اتفق من غير قصد إليهما وقيل السر فى النافلة والعلانية فى المفروضة يَرْجُونَ تِجارَةً أى يرجون تحصيل الثواب بالطاعة لَنْ تَبُورَ (٢٩) أى لن تكسر ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة.
لِيُوَفِّيَهُمْ اللّه متعلق بمعنى لن تبور يعنى يرجون تجارة نافعة ليوفيهم بانفاقها أُجُورَهُمْ أى أجور أعمالهم أو متعلق بفعل محذوف دل عليه ما عد من أعمالهم يعنى فعلوا ذلك ليوفّيهم أو يبرجون واللام للعاقبة يعنى يرج ون تجارة لن تبور حتّى يوفّيهم اللّه أجورهم وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما يقابل


الصفحة التالية
Icon