ج ٨، ص : ٣٤٨
لاحد ولا يدوم لك أحد وان بخل بك صاحبك وشح عليك طوبى للابرار الذين اطلعونى عن قلوبهم على الرضاء واطلعونى من ضميرهم على الصدق والاستقامة طوبى لهم ما عندى من الجزاء إذا وفدوا الىّ من قبورهم يسعى امامهم والملائكة حافّون بهم حتى ابلغ بهم إلى ما يرجون من رحمتى - وعن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ما كان من اللّه عزّ وجلّ - رواه الصياء وروى ابن ماجة عن أبى هريرة والطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن ابن مسعود مرفوعا نحوه بلفظ الا ذكر اللّه وما والاه أو عالما أو متعلما - والبزار عن ابن مسعود نحوه بلفظ الا امرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكر اللّه - والطبراني فى الكبير بسند صحيح عن أبى الدرداء مرفوعا نحوه بلفظ الا ما ابتغى به وجه اللّه عزّ وجلّ - وعن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له - رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح ورواه البيهقي عن ابن مسعود موقوفا وعن ابن عمر وقال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وسنته فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة - رواه أحمد والطبراني والحاكم فى المستدرك وأبو نعيم فى الحلية وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر - رواه أحمد ومسلم فى الصحيح والترمذي وروى البيهقي والحاكم عن سلمان والبزار عن ابن عمر يعنى ان المؤمن وان كان فى نعيم فالدنيا بالنسبة إلى ما أعد له فى الاخرة من الثواب سجن وسنة والكافر وان كان فى ضر وبلاء فالدنيا بالنسبة إلى ما أعد له فى الاخرة من العذاب جنة واللّه اعلم - فان قيل روى صاحب مسند الفردوس عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال
الدنيا حرام على أهل الاخرة والاخرة حرام على أهل الدنيا والدنيا والاخرة حرام على أهل اللّه - ما معنى ذلك قلت و
معناه عندى واللّه اعلم ان حب الدنيا حرام على أهل الاخرة يعنى على المؤمنين لا الانتفاع بمتاع الدنيا حيث قال اللّه تعالى قل من حرّم زينة اللّه الّتى أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هى للّذين أمنوا فى الحيوة الدّنيا خالصة يوم القيامة فمن ارتكب بحب الدنيا أضر بآخرته قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
التفسير المظهري، ج ٨، ص : ٣٤٩
من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يفنى - رواه أحمد والحاكم فى المستدرك بسند صحيح عن أبى موسى والاخرة يعنى حظوظ الاخرة حرام على أهل الدنيا يعنى من همه الدنيا لا غير يعنى الكفار وفيهم قال اللّه تعالى فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ والدنيا والآخرة يعنى حبهما حرام على أهل اللّه وهم الذين امتلأ قلوبهم من حب اللّه تعالى لا تلتفت قلوبهم إلى شىء من الدنيا والاخرة غير اللّه سبحانه روى ان رابعة البصرية أخذت فى احدى يديها ظرفا من ماء وفى الاخرى قطعة من نار فقيل لها اين تريدين قالت أريد ان أطفأ نار جهنم واحرق الجنة كيلا يعبد الناس اللّه تعالى طمعا فى الجنة ولا خوفا من النار بل خالصا لوجهه تعالى - قال المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه وكان هذا مبنيّا على السكر منها بل لا بد للمؤمن ان يطمع فى الجنة لا لنفسها بل لكونها محلا لرحمة اللّه تعالى ويتعوذ من النار لكونها محلا بسخط اللّه تعالى وغصته نعوذ باللّه منها - فان قيل التمتع بحطام الدنيا ما لم يكن محرما لحق اللّه تعالى ولا الحق العبد جائز لما ذكرنا وطلب المعاش جائز بل فريضة حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة - رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود فما معنى الدنيا وحبها - قلت معنى حب الدنيا ايثارها على الاخرة والانهماك فى اكتسابها ولذاتها بحيث يغفل عن اكتساب الثواب واجتناب العذاب والحرص على جمع المال وطول الأمل وزعم الأغنياء خيرا من الفقراء وتعظيم الأغنياء فوق تعظيم الفقراء لاجل غناه لا لدفع مضرة أو مكافاة احسان أو لغير ذلك من غرض مشروع أو ان يريد علوّا فى الأرض أو فسادا - واما طلب المعاش وكسب الأموال (من رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه واقام الصّلوة وإيتاء الزّكوة يخافون
يوما تتقلّب فيه القلوب والابصار) للانفاق على نفسه حتى يتقوى على عبادة ربه وعلى عياله أداء لحقوقهم وللانفاق فى سبيل اللّه فليس بمكروه بل منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو مباح قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيما رجل كسب مالا من حلال فاطعم نفسه أو كساها فمن دونه من خلق اللّه كان له


الصفحة التالية
Icon