ج ٩، ص : ٩٠
لتحذير العوام عن الشرك والمعاصي كما يدل عليه السياق يعنى ان لم تقدروا على الفرار من كل شىء حتى من أنفسكم إلى اللّه تعالى فلا تجعلوا مع اللّه الها اخر فى العبادة وامتثال الأوامر.
كَذلِكَ خبر مبتدا محذوف أى شانك مع قولك كذلك الشان للرسل من قبلك مع أقوامهم ولما كان فى التشبيه إبهاما فسره بقوله ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الضمير عايد إلى كفار مكة والمراد بالموصول كفار الأمم السابقة مفعول لاتى وفاعله مِنْ رَسُولٍ من زائدة فى النفي للاستغراق إِلَّا قالُوا استثناء مفرغ والمستثنى فى محل النصب على الحالية من فاعل اتى أو مفعوله أو كليهما يعنى ما أتاهم رسول فى حال الا حال قولهم ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ خبر مبتدا محذوف والجملة مقولة - قالوا يعنى قالوا هذا ساحرا ومجنون كما يقول لك قومك وجاز ان يكون مشار إليه بذلك تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ساحرا أو مجنونا وجملة ما اتى علة للتشبيه.
أَتَواصَوْا أى الأولون والآخرون من الكفار بِهِ بهذا القول يعنى اوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى قالوا جميعا والاستفهام للانكار والتوبيخ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ إضراب عن التواصي من جميعهم بهذا القول لتباعد ايامهم إلى ان الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم فى الطغيان الحامل عليه وقوله كذلك إلى قوله طاغون معترضات لتسلية النبي ـ ﷺ ـ وقوله فتول عنهم أى عن الكفار عطف على قل المقدرة يعنى قل ففروا إلخ.
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أى اعرض عن مجادلتهم بعد ما كررت عليهم الدعوة فابوا للاصرار والعناد فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ على الاعراض بعد ما بذلت جهدك فى البلاغ وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن منيع وابن راهويه والهثيم بن كليب فى مسانيدهم من طريق مجاهد عن على رض عنه قال لما نزلت فتول عنهم فما أنت بملوم لم يبق منا أحد الا أيقن بالهلاكة إذا مر النبي ـ ﷺ ـ ان يتولى عنا فنزلت.
وَذَكِّرْ الآية فطابت أنفسنا وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا انه لما نزلت فتول عنهم الآية اشتد على اصحاب رسول اللّه ـ ﷺ ـ وراوا ان الوحى قد انقطع وان العذاب قد حضر فانزل اللّه تعالى وذكر الآية كذا ذكر البغوي قول المفسرين وقوله تعالى ذكّر عطف على قوله تولّ يعنى لا تدع التذكير والموعظة فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ تعليل لقوله تعالى ذكر يعنى ان الذكر ينفع المؤمنين ويزداد لهم البصيرة وان لم ينتفع الكفار أو المعنى تنفع من قدر اللّه إيمانه.
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أى الا لامرهم بعبادتي وادعوهم إليه يعنى للتكليف يؤيده قوله تعالى وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً


الصفحة التالية
Icon