ج ٩، ص : ٢٣٨
فقبضتها سنين من امارتى اعمل فيه بما عمل رسول اللّه ـ ﷺ ـ وأبو بكر واللّه يعلم انى فيه صادق بارر أشد تابع للحق ثم جئتمانى كلا كما وكلمتكما واحدة وامر كما جميع فقلت لكما ان رسول اللّه ـ ﷺ ـ قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا الىّ ان ادفعه اليكما قلت ان شئتما دفعت اليكما على ان عليكما عهد اللّه وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول اللّه ـ ﷺ ـ وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلمانى فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته اليكما افتلتمسان منى قضاء غير ذلك فو اللّه الذي تقوم باذنه السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنه فادفعا إلى فانا أكفيكما هما وأيضا فى الصحيحين عن عمر قال كانت اموال بنى نضير مما أفاء اللّه على رسوله مالم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول اللّه ـ ﷺ ـ خاصة ينفق على اهله نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي فى السلاح والكراع عدة فى سبيل الله
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أى اموال أهل القرى بيان للاول ولذلك لم يعطف لكنه يعم الأول يعنى بنى النضير وغيره فان قيل لو كان هذا بيانا للاول لكان للانصار أيضا حقا فى فىء بنى النضير مع ان النبي ـ ﷺ ـ لم يعط من فىء بنى النضير شيئا للانصار غير ثلثة منهم قلنا كان للانصار أيضا فيه حقا لكنهم اثروا المهاجرين على أنفسهم وجعل حقهم لهم كما سياتى قال ابن عباس فى تفسير أهل القرى وهى قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة وقال جلال الدين المحلى كان الصفراء ووادي القرى وينبع قلت والصحيح ان خيبر فتحت عنوة وقسمت بين أهل الحديبية على ثمانية عشر سهما كما مر فى سورة الفتح فَلِلَّهِ افتتاح كلام للتبرك واضافة هذا المال إلى نفسه لشرفه وليس المراد منه ان سهما منه له تعالى مفردا فان الدنيا والاخرة كلها للّه تعالى وهو قول الحسن وقتادة وعطاء وابراهيم والشعبي وعامة الفقهاء وعامة المفسرين وقال بعضهم يصرف سهم اللّه تعالى فى عمارة الكعبة والمساجد وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعنى أقرباء رسول اللّه ـ ﷺ ـ وهم بنو هاشم وبنو المطلب لحديث جبير بن مطعم قال لما قسم رسول اللّه ـ ﷺ ـ سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب أتيته انا وعثمان فقلنا يا رسول اللّه هؤلاء إخواننا من بنى هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك اللّه منهم ارايت إخواننا من بنى المطلب اعطيتهم وتركتنا وانما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول اللّه ـ ﷺ ـ انما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد هكذا وشبك بين أصابعه رواه الشافعي وفى رواية أبو داود والنسائي نحوه وفيه انا وبنو المطلب لا نفترق فى الجاهلية ولا اسلام وانما نحن وهم شىء واحد وشبك بين أصابعه وَالْيَتامى الصغار الذين لا اب لهم وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر البعيد من ماله كان المستفاد فيما مر من الآية التفسير
المظهري، ج ٩، ص : ٢٣٩
ان الفيء مختص بالنبي ـ ﷺ ـ وضم هاهنا مع رسول اللّه ـ ﷺ ـ الأصناف المذكورة اشعارا بما يفعل الرسول ـ ﷺ ـ فى ذلك المال ولما كان مال الفيء بحيث لا نصيب فيه لرجال بعينهم كما فى الغنائم للغانمين بل قسمة مفوض إلى رسول اللّه ـ ﷺ ـ والى خلفائه من بعده وجاز لهم اختيار اشخاص من الأصناف المذكورة به عليه السلام منافيا لاختصاص المال به عليه السلام واللّه تعالى أعلم كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً متعلق بالظرف المستقر اعنى فللّه وللرسول قرأ هشام بخلاف عنه تكون بالتاء الفوقانية على التأنيث ودولة بالرفع على الفاعلية وكان حينئذ تامة والباقون بالياء التحتانية على التذكير على ان ضمير الفاعل راجع إلى الموصول ودولة منصوب على انه خبر كان الناقصة بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ط يعنى لا يكون ما يتداوله الأغنياء بينهم دون الفقراء كما كان فى الجاهلية بل جعل اللّه لرسوله ـ ﷺ ـ ان يقسمه على ما يراه مصلحة فيما امر به ثم قال وَما آتاكُمُ اعطاكم الرَّسُولُ من الفيء فَخُذُوهُ ولا تطعموا فيما زاد على ما طابت نفسه وَما نَهاكُمْ عَنْهُ من الغلول وغيره فَانْتَهُوا ج ذكر هذه الجملة معترضة كيلا يطمع الناس من الرسول ما لا يرضاه وهذا نازل فى الفيء وهو عام فى كل ما امر به النبي ـ ﷺ ـ ونهى عنه عن عبد اللّه بن مسعود قال لعن اللّه الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللّه فبلغ ذلك امرأة من بنى اسد يقال لها أم يعقوب فجائت فقالت انه قد بلغني انك لعنت كيت وكيت فقال مالى لا العن من لعن رسول اللّه ـ ﷺ ـ ومن هو فى كتاب اللّه فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال لئن كنت قراتيه لقد وجدتيه اما قرأت ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فانه قد نهى عنه رواه البخاري وَاتَّقُوا اللَّهَ ط فى مخالفة رسوله ـ ﷺ ـ معترضة اخرى إِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ج لمن خالفه تعليل لما سبق.
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ بدل من لذى القربى وما عطف عليه فان الرسول لا يسمى فقيرا وقد أخرج اللّه رسوله من الفقراء لقوله ينصرون اللّه ورسوله قبل هذا بدل الكل من الكل واللام فى للفقراء للعهد والمراد منه هم المذكورون اعنى ذوى القربى واليتامى والمساكين فلا يلزم ان لا يكون المذكورون سابقا مصرفا نظرا إلى المبدل منه لا يكون مقصودا بالنسبة بل البدل هو المقصود بالنسبة وعندى ان الفقراء المهاجرون وما عطف عليه أعم مطلقا مما سبق فانهم استوعبوا المؤمنين إلى يوم القيامة أجمعين غنيهم وفقيرهم على ما ستذكر إنشاء اللّه تعالى فهذا بدل الكل من البعض وهو من قبيل الاشتمال وعلى كلا التقديرين فما سبق فى الذكر من ذوى القربى وما عطف عليه وان لم يكن مقصودا بالنسبة لفظا لكنها داخلة فى المقصود اعنى البدل أو عينه واللّه تعالى أعلم