ج ٩، ص : ٣١٢
اللّه تعالى ولا يلدوا الا فاجرا كفارا.
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ متلبسا بالحكمة البالغة دالة على صانع حكيم وَصَوَّرَكُمْ أيها الناس فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ من ساير الحيوانات ظاهرا وباطنا وزينكم بأحسن أوصاف الكائنات صالحا للعلم والعقل والمعرفة وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ فلا تضيعوا استعدادكم باختيار الرذائل فتحشرون على أقبح الصور.
يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ راى بالاسرار والمعتقدات التي فى الصدور ولا يخفى عليه ما يصلح ان يعلم كليا كان أو جزئيا لأن نسبته بكل شىء على السواء قدم ذكر القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرة الخالق اولا وبالذات وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الانحاء وتكرير ذكر العلم بمنزلة تكرير الوعيد على إتيان ما يخالف امره ورضاه وقوله يعلم مع ما عطف عليه خبر ثالث لقوله هو فى هو الذي خلقكم.
أَلَمْ يَأْتِكُمْ يا أيها الكفار نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أى قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط واصحاب الايكة وغيرهم فَذاقُوا عطف على كفروا والفاء للسببية وَبالَ أَمْرِهِمْ أى ضرر كفرهم فى الدنيا وأصله الثقل ومنه الوبيل للطعام الثقيل والوابل للمطر الثقيل وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة.
ذلِكَ العذاب فى الدنيا والاخرة بِأَنَّهُ أى بسبب انه كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات والدلائل الواضحة فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا البشر اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولما كان المراد هاهنا الجمع قال يهدوننا ولم يقل يهدينا استفهام للانكار أنكروا وتعجبوا من كون البشر رسلا من اللّه هداة إليه فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا عن التدبر فى المبينات وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عن كل شىء فضلا عن طاعتهم وانما كان إرسال الرسل تفضلا ومنة من اللّه تعالى عليهم والراضي بالضرر لا يستحق النظر وَاللَّهُ غَنِيٌّ من كل شىء حَمِيدٌ فى نفسه لا يحتاج إلى من يحمده.
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا تقديره انهم لن يبعثوا ان مع جملتها قائم مقام مفعول زعم والزعم ادعاء العلم قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ بيان لقوله بلى أكد الجواب بالقسم ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ من الخير والشر يعنى تحاسبون وتخبرون بأعمالكم وَذلِكَ البعث والحساب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لا مكان الموعود وكمال القدرة.
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ محمد تفريع على وجوب البعث وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا يعنى القرآن فانه باعجازه ظاهر الحقيقة بنفسه مظهر لغيره من الشرائع والاحكام


الصفحة التالية
Icon