ج ١٠، ص : ٩٢
مكثرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك انهم يرون ان اللّه ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معائشهم من سوء ظنهم باللّه وقال سعيد بن جبير رض تسلبه القناعة حتى لا يشبع قلت وهذا الأمر ظاهر فان أهل الدنيا لما سلب منهم القناعة فهم دائمون فى جد واجتهاد لاجل اكتساب المال وحفظه خائفون على فواته متحاسدون متباغضون فيما بينهم لاجله غير امنين على أنفسهم لكثرة الأعداء والحساد ولا شك ان هذا عذاب صعد ومعيشة ضنك ولو يعلمون ما للصوفية من الحيوة الطيبة وطمانينة القلب بذكر اللّه وشرح الصدور ورفع الحاجة بالقليل والاستغناء عن الخلق والشفقة على خلق اللّه تعالى كلهم أجمعين والشكر والسرور فى الضراء رجاء لكفارة المعاصي وحسن الجزاء فضلا عن الرخاء والسراء ليتحاسدوهم على ذلك واللّه يؤتى من يشاء من الدنيا والاخرة.
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ عطف على ان لو استقاموا على الوحى به قيل المراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلوة - فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعتهم وكنائسهم أشركوا باللّه فأمر اللّه تعالى المؤمنين ان يخلصو اللّه الدعوات إذا دخلوا المساجد وأراد به المساجد كلها وامر بتطهيرها فقال طهرا بيتي للطائفين الآية وامر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشركائكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم واقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على ابوابها المطاهر وجمروها فى الجمع رواه ابن ماجة عن واصلة مرفوعا ونهى عن تناشد الاشعار فى المسجد وعن البيع والشراء فيه وان يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة فى المسجد رواه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال البزاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها متفق عليه عن أنس رض قال عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد رواه أبو داود والترمذي عنه وقال من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فيقول لا ردها اللّه عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم عن أبى هريرة رض وروى الترمذي والدارمي وزاد إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا لا اربح اللّه تجارتك واللّه تعالى أعلم وقال الحسن أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها مسجدا لهذه الامة يعنى لا تدعوا مع اللّه أحدا فى شىء من البقاع وأخرج ابن أبى حاتم من طريق أبى صالح عن ابن عباس رض قال قالت الجن أتأذن لنا فنشهد معك الصلاة فى مسجدك فانزل اللّه تعالى ان المساجد للّه فلا تدعوا
التفسير المظهري، ج ١٠، ص : ٩٣
مع اللّه أحدا وأخرج ابن جرير عن جبير قال قالت الجن للنبى صلى اللّه عليه وسلم كيف لنا ان ناتى المسجد ونحن ما دون عنك أو كيف نشهد الصلاة ونحن ما دون عنك فنزلت وقيل المراد بالمسجد أعضاء السجود يعنى انها مخلوقة للّه تعالى فلا تسجدوا عليها غيره عن ابن عباس قال قال رسول اللّه ـ ﷺ ـ أمرت ان اسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يكفت الثياب ولا الشعر.
وَأَنَّهُ الضمير للشان قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بالفتح عطفا على الموحى به لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ محمد صلى اللّه عليه وسلم انما ذكر لفظ العبد دون الرسول أو النبي أو غير ذلك للتواضع فانه واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضى لقيامه وقال المجدد العبودية أقصى مراتب الكمال يَدْعُوهُ حال من عبد اللّه أى يعبده ويذكره كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ع قرأ هشام لبد بضم اللام والباقون بالكسر وهو جمع لبدة واصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ومعناه على ما قال الحسن وقتادة وابن زيد انه لما قام عبد اللّه بالدعوة إلى التوحيد كاد الجن والانس يكونوا مجتمعين لابطال امره يريدون ان يطفؤا نور اللّه بأفواههم ويابى اللّه الا ان يتم نوره وينصره على من عاداه ويحتمل ان يكون معناه انه لما قام عبد اللّه يدعوه ويقرأ القرآن بنخلة كان الجن يكون عليه لبدا متراكمين من ازدحامهم عليه شوقا لاستماع القرآن.
قُلْ كذا قرأ عاصم وحمزة وأبو جعفر بصيغة الأمر موافقا لما بعده والباقون بصيغة الماضي أى قال عبد اللّه إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً فما لكم يجتمعون على ابطال امرى أو المعنى قال عبد اللّه حين اشتاق الجن إلى كلامه انما ادعوا ربى فادعوا أنتم أيضا كدعائى ولا تشركوا به أحدا وقال مقاتل قال كفار مكة للنبى صلى اللّه عليه وسلم لقد جئت بامر عظيم فارجع عنه فنحن بخيرك فنزلت هذه الآية وما بعدها.
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً يعنى ضرا ولا نفعا أو غيا ولا رشدا عبر عن أحدهما باسم وعن الاخر باسم سببه أو مسببه اشعارا بالمعنيين.
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ملتجأ أميل إليه ان أرادني سوء وهذين الجملتين المستانفتين كانهما فى جواب ما أقول حين يقول الكفار الذين اجتمعون لابطال امرى انك لن كنت نبيا فاتنا بعذاب من عند اللّه أو يقول الكفار ارجع عن دينك فنحن بخيرك ويحتمل ان يكون الجملة الاولى