ج ١٠، ص : ١١١
الوصول إلى الحق على التبتل لأنه هو المقصود بالتبتل وانما قلنا انه عبارة عن الوصول لأن الذكر الذي لا يتطرق إليه الفتور ولا يستعقبه الذهول هو العلم الحضوري إذ لا يتصور ذلك فى العلم الحصولى بداهة والعلم الحضوري عبارة عن حضور نفس المعلوم عند العالم وذلك يعبر بدوام الحضور والوصول والاتصال والاتحاد والبقاء ونحو ذلك بألفاظ شتى وكانت الأوائل يعبرون عنها بالإخلاص قال ابن عباس وغيره فى تفسير هذه الآية أخلص اللّه إخلاصا وانما قال واذكر اسم ربك ولم يقل واذكر ربك لأن الملازم للتبتل الذي هو المعبر بالفناء وانما هو علم الأسماء والصفات دون العلم المتعلق بالذات فانه بعد وراء الوراء ويحتمل ان يكون المراد بالذكر الذكر باللسان بموافقة القلب وبدوام الذكر الدوام العرفي بمعنى الإكثار بقدر الطاقة البشرية وذلك يفضى إلى التبتل ووسيلة إليه بشرط الاجتباء عن اللّه تعالى كما يكون للانبياء والافراد من الأولياء أو جذب من الشيخ وعلى هذا وجه التقديم على التبتل بأظهر تقدم طبعا واعلم ان على هذا التأويل فى قوله تعالى واذكر اسم ربك اشارة إلى تكرير اسم الذات وفى قوله تعالى.
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ على قرأة الجر اشارة إلى التصور احاطته تعالى بالممكنات ذكر النفي والإثبات وكلا التكريرين اساسان بطريقة ارباب كمالات الولايات وعلى هذا التأويل يثبت المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه اعنى قم الليل ورتل القرآن واذكر اسم ربك ويظهران كلا من الأمور الاربعة الصلاة وتلاوة القرآن وذكر اسم الذات والنفي والإثبات مدار لحصول مراتب القرب والدرجات غير ان الأولين لاهل الانتهاء والآخرين لاهل الابتداء وانما قدم الأولين على الآخرين لأن المخاطب اولا هو النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو أكمل أهل الانتهاء واللّه تعالى أعلم رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص بالرفع على انه خبر مبتداء محذوف أى هو رب المشرق والمغرب أو مبتداء خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وقرأ الباقون بالجر على البدل من ربك وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه لا اله الا هو فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا الفاء للسببية فان كونه ربا لجميع المخلوقات وتوحده بالالوهية يقتضى ان يوكل إليه الأمور كلها وفى هذه الآية دفع توهم ان التبتل عن الخلق يوشك ان يخل فى أموره المعايشة فان الإنسان مدنى الطبع لا يستغنى بعضهم عن بعض فابطل هذا الوهم بانه تعالى رب المشرق والمغرب وما بينهما من العباد والبلاد وأفعالهم ومنافعهم والقلوب كلها بيده يصرفها