ج ١، ص : ٥٩
وانما جاء بان حرف الشك لأنه محتمل في نفسه غير واجب عقلا - امال الكسائي هداى ومثواى - ومحياى - حيث وقع ورءياك في أول يوسف خاصة - وأبو عمرو ورش قرأ رءياك خاصة بين بين - قال البيضاوي كرر لفظ الهدى ولم يضمر لأنه أراد بالثاني أعم من الأول وهو ما اتى به الرسل واقتضاه العقل أى تبع ما أتاه مراعيا فيه ما شهده العقل - فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) على ما خافوا فان الخوف على المتوقع والحزن على الواقع - أو المعنى لا خوف عليهم فى الاخرة بحلول مكروه ولا هم يحزنون في الاخرة بفوات محبوب نفى عنهم العذاب واثبت لهم الثواب على ابلغ الوجوه - قرأ يعقوب فلا خوف بالفتح باعمال لا والآخرون بالرفع والتنوين.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا عطف على من تبع كأنَّه قال ومن لم يتبع هداى بل كفروا به وَكَذَّبُوا بِآياتِنا بالقران وغيره من الكتب أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ يوم القيامة هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) لا يخرجون منها ولا يموتون فيها - فى القصة دليل على ان الجنة مخلوقة وانها في جهة عالية وان عذاب النار للكفار مخلد تمسكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم السلام قالوا كان آدم نبيا وارتكب المنهي عنه - وأجيب بانه لم يكن نبيا حينئذ والمدعى يطالب بالبرهان - أو كان النهى للتنزيه وانما سمى نفسه ظالما وخاسرا لأنه ظلم نفسه وخسر حظه بترك الاولى - أو انه فعل ناسيا لقوله تعالى - فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً - لعله لما قاله إبليس ما نهاكما ربّكما وقاسمهما أورث فيه ميلانا طبعيا ثم انه كف نفسه عنه مراعاة لحكم اللّه إلى ان نسى ذلك وزال شعوره بشرب الخمر فحمله الطبع عليه وانما عوتب بترك التحفظ عن اسباب النسيان - ولعله وان حط عن الامة لم يحط عن الأنبياء لعظم قدرهم - ويحتمل ان يكون رفع الخطاء والنسيان خاصة لهذه الامة - وسيجيئ المسألة اخر السورة - أو فعله بسبب خطاء في اجتهاده حيث ظن النهى للتنزيه - أو الاشارة إلى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها وكان المراد في النهى الاشارة إلى النوع وانما جرى عليه ما جرى على طريق السببية المقدرة دون المؤاخذة كتناول السم على الجهل واللّه اعلم - ولما ذكر اللّه تعالى دلائل التوحيد والنبوة وخاطب الناس عامة وعدّ انعاماته العامة - خاطب بنى إسرائيل خاصة وذكّرهم النعماء التي اختصت بهم لأن السورة مدنية وكان غالب الخطاب في المدينة مع اليهود لانهم كانوا أهل علم والناس تبع لهم فلو اعترفوا بالنبوة اعتراف غيرهم