لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي ﷺ، ولمزهم إياه في قسم الصدقات، بيَّن تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره، فجزأها لهؤلاء المذكورين، وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية، هل يجب استيعاب الدفع لها أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين :( أحدهما ) أنه يجب ذلك، وهو قول الشافعي وجماعة، ( والثاني ) أنه لا يجب استيعابها بل يجوز الدفع إلى واحد منها، وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف. وقال ابن جرير : وهو قول عامة أهل العلم؛ وإنما قدم الفقراء ههنا على البقية لأنهم أحوج من غيرهم على المشهور، ولشدة فاقتهم وحاجتهم، وعند أبي حنيفة : أن المسكين أسوأ حالاً من الفقير، وهو كما قال أحمد، قال عمر رضي الله عنه : الفقير ليس بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلق الكسب؛ قال ابن عليه : الأخلق المحارف عندنا والجمهور على خلافه، وروي عن ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وابن زيد. واختار ابن جرير وغير واحد أن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً، والمسكين هو الذي يسأل ويطوف ويتبع الناس، وقال قتادة : الفقير من به زمانه، والمسكين الصحيح الجسم.
ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الأصناف الثمانية. فأما الفقراء فعن ابن عمر قال، قال رسول الله ﷺ :« لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرةٍ سويّ » و « عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي ﷺ يسألانه من الصدقة فقلّب فيهما البصر، فرآهما جلدين، فقال :» إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب « وأما المساكين فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :» ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان « قالوا : فما المسكين يا رسول الله؟ قال :» الذي لا يجد غني يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئاً « وأما العاملون عليها فهم الجباة والسعاة يستحقون منها قسطاً على ذلك، ولا يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول الله ﷺ الذين تحرم عليهم الصدقة لما ثبت عن عبد المطلب بن الحارث أنه انطلق هو والفضل بن العباس يسألان رسول الله ﷺ ليستعملها على الصدقة، فقال :» إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد إنما هي أوساخ الناس « وأما المؤلفة قلوبهم فأقسام : منهم من يعطي ليسلم، كما أعطى النبي ﷺ ( صفوان ابن أمية ) من غنائم حنين، وقد كان شهدهاً مشركاً، كما قال الإمام أحمد عن صفوان بن أمية قال : أعطاني رسول الله ﷺ يوم حنين وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.


الصفحة التالية
Icon