وقوله تعالى :﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾، عن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية : نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي اراد الله أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهم الميثاق أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. وقال قتادة : كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة : أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر. وقال ابن جريج في هذه الآية : لا يجترىء على السحر إلا كافر. وأما الفتنة فيه المحنة والاختبار ومنه قول الشاعر :
وقد فتن الناس في دينهم | وخلى ابن عفان شراً طويلاً |
وكذلك قوله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام حيث قال :
﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر واستشهد له بالحديث الصحيح :
« من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ »، وقوله تعالى :
﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المرء وَزَوْجِهِ ﴾ أي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر، ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف، وهذا من صنيع الشياطين كما رواه مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ قال :
« إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول : ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس : لا والله ما صنعت شيئاً! ويجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرّقت بينه وبين أهله، قال : فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول : نعم أنت » وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلق أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة.
وقوله تعالى :
﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ قال سفيان الثوري : إلا بقضاء الله، وقال الحسن البصري : من شاء الله سلطهم عليه ومن لم يشأ الله لم يسلط، ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله.