وقوله تعالى :﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ أي يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ ﴾ أي ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول ﷺ لمن فعل فعلهم ذلك، أنه ما له في الآخرة من خلاق، قال ابن عباس من نصيب، ﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ يقول تعالى ﴿ وَلَبِئْسَ ﴾ البديل ما استبدلوا به من السحر عوضاً عن الإيمان ومتابعة الرسول، لو كان لهم علم بما وعظوا به ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتقوا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله خَيْرٌ ﴾ أي ولو أنهم آمنوا بالله ورسله واتقوا المحارم، لكان مثوبة الله على ذلك خيراً لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به كما قال تعالى :﴿ وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصابرون ﴾ [ القصص : ٨٠ ].
وقد استدل بقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتقوا ﴾ من ذهب إلى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الإمام أحمد ابن حنبل وطائفة من السلف، وقيل : بل لا يكفر ولكن حده ضرب عنقه، لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة بن عبدة يقول؛ كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال : فقتلنا ثلاث سواحر. وصح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها فأمرت بها فقتلت، قال الإمام أحمد ابن حنبل : صح عن ثلاثة من أصحاب النبي ﷺ في قتل الساحر، وروى الترمذي عن جندب الأزدي أنه قال : قال رسول الله ﷺ :« حد الساحر ضربه بالسيف » وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عُقْبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس : سبحان الله يحيي الموتى!! ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه، وذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر، وقال : إنْ كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى :﴿ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٣ ] فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ثم أطلقه، والله أعلم. وحمل الشافعي رحمه الله قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً، والله أعلم.

فصل


حكى الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكروا وجود السحر، قال : وربما كفَّروا من اعتقد وجوده، وأما أهل السنّة فقد جوّزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، ويقلب الإنسان حماراً والحمار إنساناً، إلا أنهم قالوا : إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة، فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافاً للفلاسفة والمنجمين والصابئة، ثم استُدل على وقوع السحر، وأنه بخلق الله تعالى بقوله تعالى :﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾.


الصفحة التالية
Icon