والمعنى : إن هذا الكتاب ( القرآن ) لا شك فيه أنه نزل من عند الله كما قال تعالى :﴿ تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين ﴾ [ السجدة : ٢ ]. وقال بعضهم : هذا خبرٌ ومعناه النهي، أي لا ترتابوا فيه. وخصت الهداية للمتقين كما قال تعالى :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ ﴾ [ فصلت : ٤٤ ]، وقال :﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الإسراء : ٨٢ ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن، لأنه هو في نفسه هدى، ولكن لا يناله إلا الأبرار كما قال تعالى :﴿ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ يونس : ٥٧ ]. قال السُّدي :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ يعني نوراً للمتقين، وعن ابن عباس : المتقون هم المؤمنون الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعة الله، وقال الحسن البصري : اتقوا ما حرم عليهم، وأدوا ما افترض عليهم. وقال قتادة : هم الذين نعتهم الله بقوله :﴿ الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاوة ﴾ [ البقرة : ٣ ]، واختيار ابن جرير أنَّ الآية تعمُّ ذلك كله، وهو كما قال. وفي الحديث الشريف :« لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما بأس به حذراً مما به بأس ».
ويطلق الهدى ويراد به ما يقر في القلب من الإيمان، وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عزّ وجلّ. قال تعالى :﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [ القصص : ٥٦ ] وقال :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٧٢ ] وقال :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ]، ويطلق ويراد به بيان الحق والدلالة عليه، قال تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ الشورى : ٥٢ ]، وقال :﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [ الرعد : ٧ ]، وقال :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى ﴾ [ فصلت : ١٧ ].
وأصل التقوى التوقي ممّا يكره لأن أصلها ( وقَوَى ) من الوقاية، قال الشاعر :
فألقت قِناعاً دونه الشمسُ واتَّقَت... بأحسنِ موصولينِ كفٍ ومعْصَم
وسأل عمرُ ( أبيَّ بن كعب ) عن التقوى فقال له : أما سلكتَ طريقاً ذا شوك؟ قال : بلى، قال : فما عملت؟ قال : شمَّرتُ واجتهدتُ، قال : فذلك التقوى، وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال :
خل الذنوبَ صغيرَها... وكبيرَها ذاكَ التُّقَى
واصْنَع كماشٍ فوقَ أرْ... ضِ الشوك يحذَرُ ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرة... إِنَّ الجبال من الحصى
وفي سنن ابن ماجة عن رسول الله ﷺ أنه قال :« ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ».