يخبر تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم كالرخاء بعد الشدة، والخصب بعد الجدب، والمطر بعد القحط، ونحو ذلك ﴿ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ في آيَاتِنَا ﴾ قال مجاهد استهزاء وتكذيب، ﴿ قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً ﴾ أي أشد استدراجاً وإمهالاً حتى يظن الظان من المجرمين أنهليس بمعذب، وإنما هو في مهلة ثم يؤخذ على غرة منه، والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ويحصونه عليه، ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة فيجازيه على النقير والقطمير، ثم أخبر تعالى أنه ﴿ هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر ﴾ أي يحفظكم ويكلؤكم بحراسته، ﴿ حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا ﴾ أي بسرعة سيرهم رافلين، فبينما هم كذلك إذ ﴿ جَآءَتْهَا ﴾ أي تلك السفن ﴿ رِيحٌ عَاصِفٌ ﴾ أي شديدة، ﴿ وَجَآءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ ﴾ أي اغتلم البحر عليهم، ﴿ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ أي هلكوا، ﴿ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ أي لا يدعون معه صنماً ولا وثناً يفردونه بالدعاء والابتهال، كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ]، ﴿ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه ﴾ أي هذه الحال ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين ﴾ أي لا نشرك بك أحداً ولنفردنك بالعبادة كما أفردناك بالدعاء هاهنا، قال الله تعالى :﴿ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ ﴾ أي من تلك الورطة، ﴿ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق ﴾ أي كأن لم يكن من ذلك شيء، ﴿ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ [ يونس : ١٢ ]، ثم قال تعالى :﴿ ياأيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ ﴾ أي إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم، ولا تضرون به أحداً غيركم، كما جاء في الحديث :« ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم »، وقوله :﴿ مَّتَاعَ الحياة الدنيا ﴾ أي إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة، ﴿ ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي مصيركم ومآلكم، ﴿ فَنُنَبِّئُكُمْ ﴾ أي فنخبركم بجميع أعمالكم ونوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.