ضرب تبارك وتعالى مثلاً لزرهة الحياة الدنيا وزينتها، وسرعة انقضائها وزوالها، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض، مما يأكل الناس من زروع وثمار، على اختلاف أنواعها وأصنافها، وما تأكل الأنعام، ﴿ حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا ﴾ أي زينتها الفانية؛ ﴿ وازينت ﴾ أي حسنت بما خرج في رباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَآ ﴾ الذين زرعوها وغرسوها ﴿ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ﴾ أي على جذاذها وحصادها، فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة، فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها، ولهذا قال تعالى :﴿ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً ﴾ أي يابساً بعد الخضرة والنضارة، ﴿ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس ﴾ أي كأنها ما كانت حيناً قبل ذلك، وقال قتادة :﴿ كَأَن لَّمْ تَغْنَ ﴾ كأن لم تنعم، وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن، قال تعالى إخباراً عن المهلكين :﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ ﴾ [ هود : ٩٤-٩٥ ]، ثم قال تعالى :﴿ كذلك نُفَصِّلُ الآيات ﴾ أي نبين الحجج والأدلة ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا عن أهلها سريعاً، مع اغترارهم بها وتلفتها عنهم، وقد ضرب الله تعالى مثل الدنيا بنبات الأرض من غير ما آية من كتابه العزيز فقال :﴿ واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرياح وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً ﴾ [ الكهف : ٤٥ ]، وكذا في سورة ( الزمر ) و ( الحديد ) يضرب الله بذلك مثل الحياة الدنيا، وقوله :﴿ والله يدعوا إلى دَارِ السلام ﴾ لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها، رغَّب في الجنة ودعا إليها وسمّاها دار السلام، أي من الآفات والنقائص والنكبات فقال :﴿ والله يدعوا إلى دَارِ السلام وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾.
روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه قال : خرج علينا رسول الله ﷺ يوماً فقال :« إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلاً، فقال : إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً، ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مأدبة، ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه؛ فالله الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها ».


الصفحة التالية
Icon