يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية إلاهيته، فقال تعالى :﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض ﴾ أي من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر، فيشق الأرض شقاً بقدرته ومشيئته، فيخرج منها ﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ﴾ [ عبس : ٢٧-٣١ ] إله مع الله؟ فسيقولون :﴿ أَمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ [ الملك : ٢١ ] ؟ وقوله :﴿ أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار ﴾ أي الذي وهبكم هذه القوة السامعة. والقوة الباصرة ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها، كقوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار ﴾ [ الملك : ٢٣ ] الآية. وقال :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٤٦ ] الآية، وقوله :﴿ وَمَن يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي ﴾ أي بقدرته العظيمة ومنته العميمة، وقوله :﴿ وَمَن يُدَبِّرُ الأمر ﴾ أي من بيده ملكوت كل شيء، وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فالملك كله العلوي والسفلي فقيرون إليه خاضعون لديه، ﴿ فَسَيَقُولُونَ الله ﴾ أي وهم يعلمون ذلك ويعترفون به، ﴿ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ ؟ أي أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم؟ وقوله :﴿ فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الحق ﴾ الآية، أي فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال ﴾ ؟ أي : فكل معبود سواه باطل لا إله إلاّ هو واحد، لا شريك له ﴿ فأنى تُصْرَفُونَ ﴾ أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه؟ وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء والمتصرف في كل شيء وقوله :﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الذين فسقوا ﴾ أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرازق المتصرف في الملك وحده، الذي بعث رسله بتوحيده، فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار، كقوله :﴿ قَالُواْ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين ﴾ [ الزمر : ٧١ ].