يقول تعالى مخبراً عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب أنهم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ويظهرون الأسف والجزع على يوسف، ويتغممون لأبيهم، وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا :﴿ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾ أي نترامى، ﴿ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا ﴾ أي ثيابنا وأمتعتنا، ﴿ فَأَكَلَهُ الذئب ﴾ وهو الذي قد جزع منه وحذر عليه، وقوله :﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ تلطف عظيم في تقرير ما يحاولونه، يقولون : ونحن نعلم أنك لا تصدّقنا والحالة هذه لو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك لأنك خشيت أن يأكله الذئب فأكله الذئب؟ فأنت معذور في تكذيبك لنا، لغرابة ما وقع، وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا، ﴿ وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ أي مكذوب مفترى، وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالأوا عليه من المكيدة، وهو أنهم عدوا إلى سخلة، فذبحوها ولطخوا ثوب يوسف بدمها؛ موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب، وقد أصابه من دمه، ولكنهم نسوا أن يخرقوه، فلهذا لم يرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب، بل قال لهم معرضاً عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه :﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾، أي فسأصبر صبراً جميلاً على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه حتى يفرجه الله بعونه ولطفه، ﴿ والله المستعان على مَا تَصِفُونَ ﴾ أي على ما تذكرون من الكذب والمحال، قال ابن عباس :﴿ وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ قال : لو أكله السبع لخرق القميص، وقال مجاهد : الصير الجميل الذي لا جزع فيه، وقد روي مرفوعاً عن ( حبان بن أبي حبلة ) قال سئل رسول الله ﷺ عن قوله :﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ فقال : صبر لا شكوى فيه. وقال الثوري : ثلاث من الصبر : أن لا تحدث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكي نفسك، وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة في الإفك حتى ذكر قولها : والله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف :﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ والله المستعان على مَا تَصِفُونَ ﴾.