يقول تعالى إخباراً على الملك بتعبير رؤياه التي كان رآها بما أعجبه وأيقنه، فعرف فضل يوسف عليه السلام وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه فقال :﴿ ائتوني بِهِ ﴾ أي أخرجوه من السجن وأحضروه، فلما جاءه الرسول امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن كان ظلماً وعدواناً، فقال :﴿ ارجع إلى رَبِّكَ ﴾ الآية، وقد وردت السنة بمدحه على ذلك والتنبيه على فضله وشرفه وعلو قدره، ففي « المسند » و « الصحيحين » عنه ﷺ :« نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال :﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى ﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ]، ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي » وفي لفظ لأحمد عنه ﷺ في قوله :﴿ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ فقال رسول الله ﷺ :« لو كنت أنا لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العذر »، وعن عكرمة قال : قال رسول الله ﷺ :« لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له، حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشتراط أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر ».
وقوله تعالى :﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ إخبار عن الملك حين جمع النسوة الاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز، فقال مخاطباً لهن كلهن وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز، قال الملك :﴿ مَا خَطْبُكُنَّ ﴾ أي ما شأنكن وخبركن ﴿ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ يعني يوم الضيافة ﴿ قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء ﴾ أي قالت النسوة جواباً للملك : حاش لله أن يكون يوسف متهماً والله ما علمنا عليه من سوء، فعند ذلك ﴿ قَالَتِ امرأت العزيز الآن حَصْحَصَ الحق ﴾، قال ابن عباس : الآن تبين الحق وظهر وبرز، ﴿ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين ﴾ أي في قوله :﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ﴾ [ يوسف : ٢٦ ]، ﴿ ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب ﴾ تقول : إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة ﴿ وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين * وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي ﴾، تقول المرأة : ولست أبرئ نفسي، فإن النفس تتحدث وتتمنى، ولهذا راودته، ﴿ إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي ﴾ أي إلا من عصمه الله تعالى :﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام، وقد قيل : إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول :﴿ ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ ﴾ في زوجته ﴿ بالغيب ﴾ الآيتين، أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي، وليعلم العزيز ﴿ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ ﴾ في زوجته، ﴿ بالغيب وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين ﴾ الآية، وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه.