يخبر تعالى عن تمام علمه الذي لا يخفى عليه شيء، وأنه محيط بما تحمله الحوامل من كل الإناث، كما قال تعالى :﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] أي ما حملت من ذكر وأنثى، أو حسن أو قبيح، أو شقي أو سعيد، أو طويل العمر أو قصيره، كقوله تعالى :﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ ﴾ [ النجم : ٣٢ ] الآية، وقال تعالى :﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ] أي خلقكم طوراً من بعد طور، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ [ المؤمنون : ١٢-١٣ ]. وفي « الصحيحين » عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ :« إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وعمره وعمله وشقي أو سعيد »، وفي الحديث الآخر :« فيقول الملك أي رب! أذكر أم أنثى! أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيقول الله ويكتب الملك ».
وقوله تعالى :﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ ﴾، قال البخاري، عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ :« مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله »، وقال ابن عباس :﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام ﴾ يعني السقط ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾، يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماماً، وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومن تحمل تسعة أشهر، ومنهن من تزيد من الحمل، ومنهم من تنقص، فلذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله تعالى وكل ذلك بعلمه تعالى، وعنه : ما نقصت من تسعة وما زاد عليها، وقال الضحاك : وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين، وولدتني وقد نبتت ثنيتي، وقال ابن جريج، عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحرك ظل مغزل، وقال مجاهد :﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ ﴾ قال : ما ترى من الدم في حملها وما تزاد على تسعة أشهر، وقال مجاهد أيضاً ﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام ﴾ : إراقة الدم حتى يخس الولد، ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ إن لم تهرق الدم تم الولد وعظم، وقال مكحول : الجنين في بطن أمه لا يحزن ولا يغتم، وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها فمن ثم لا تحيض الحامل، فإذا وقع إلى الأرض استهل، واستهلاله استنكاره لمكانه، فإذا قطعت سرته حوّل الله رزقه إلى ثديي أمه، حتى لا يحزن ولا يطلب ولا يغتم، ثم يصير طفلاً يتناول الشيء بكفه فيأكله، فإذا هو بلغ قال : هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق؟ فيقول مكحول : يا ويحك، غذاك وأنت في بطن أمك، وأنت طفل صغير، حتى إذا اشتددت وعقلت قلت : هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق؟ ثم قرأ مكحول :﴿ الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى ﴾ الآية، وقال قتادة :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ أي بأجل، حفظ أرزاق خلقه وآجالهم وجعل لذلك أجلاً معلوماً، وفي الحديث الصحيح :