يقول تعالى مخبراً عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار، وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة ﴿ الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق ﴾ وليسوا كالمنافقين الذين إذا عاهد أحدهم غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان ﴿ والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ من صلة الأرحام والإحسان إليهم وإلى الفقراء والمحاويج وبذل المعروف، ﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ أي فيما يأتون وما يذرون من الأعمال، يراقبون الله في ذلك ويخافون سوء الحساب في الدار الآخرة، فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم، ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾ أي عن المحارم والمآثم ففطموا أنفسهم عنها لله عزّ وجلّ ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه، ﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي، ﴿ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ أي على الذين يجب عليهم الإنفاق لهم، من زوجات وقرابات وأجانب، من فقراء ومحاويج ومساكين، ﴿ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً ﴾ أي في السر والجهر، لم يمنعهم من ذلك حال من الأحوال آناء الليل وأطراف النهار، ﴿ وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة ﴾ أي يدفعون القبيح بالحسن، فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبراً واحتمالاً وصفحاً وعفواً، كقوله تعالى :﴿ ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [ فصلت : ٣٤ ]، ولهذا قال مخبراً عن هؤلاء السعداء المتصفين بهؤلاء الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار، ثم فسر ذلك بقوله :﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ والعدن : الإقامة، أي جنات إقامة يخلدون فيها، وقال الضحاك في قوله :﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ مدينة الجنة فيها الرسل والأنبياء والشهداء، وأئمة الهدى والناس حولهم بعد والجنات حولها، وقوله :﴿ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله، وإحساناًمن غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال تعالى :﴿ والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم ﴾ [ الطور : ٢١ ] الآية، وقوله :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار ﴾ أي وتدخل عليهم الملائكة من ههنا ومن ههنا للتهنئة بدخول الجنة، فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مسلّمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام، والإقامة في دار السلام، في جوار الصديقين والأنبياء والرسل والكرام.