يقول تعالى آمراً رسوله ﷺ بإبلاغ ما بعثه وبإنفاذه والصدع به، وهو مواجهة المشركين به، كما قال ابن عباس في قوله :﴿ فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ : أي أمضه؛ وفي رواية ( افعل ما تؤمر ). وقال مجاهد : هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وعن عبد الله بن مسعود : ما زال النبي ﷺ مستخفياً حتى نزلت :﴿ فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ فخرج هو وأصحابه، وقوله :﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين ﴾ أي بلغ ما أنزل إليك من ربك، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله ﴿ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [ القلم : ٩ ] ولا تخفهم، فإن الله كافيك إياهم، وحافظك منهم، كقوله تعالى :﴿ ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. وعن أنس مرَّ رسول الله ﷺ فغمزه بعضهم، فجاء جبريل - أحسبه قال : فغمزهم - فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا. وقال محمد بن إسحاق : كان عظماء المستهزئين خمسة نفر، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم، من بني أسد بن عبد العزى ( أبو زمعة ) كان رسول الله ﷺ فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال :« اللهم أعم بصره وأثكله ولده »، ومن بني زهرة ( الأسود بن عبد يغوث )، ومن بني مخزوم ( الوليد بن المغيرة )، ومن بني سهم ( العاص بن وائل*، ومن خزاعة ( الحارث بن الطلاطلة )، فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله ﷺ الاستهزاء أنزل الله تعالى :﴿ فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين ﴾ إلى قوله :﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾.
وقوله تعالى :﴿ الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُون ﴾ تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع الله معبوداً آخر. وقوله :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين ﴾ أي وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض، فلا يضيقنك ذلك، ولا يثنينّك عن إبلاغك رسالة الله وتوكل عليه، فإنه كافيك وناصرك عليهم، فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة. ولهذا قال :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين ﴾، ولهذا كان رسول الله ﷺ إذا حز به أمر صلى، وقوله :﴿ واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين ﴾، قال البخاري عن سالم بن عبد الله ﴿ واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين ﴾ قال : الموت. والدليل على ذلك قوله تعالى إخباراً عن أهل النار أنهم قالوا :﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين * حتى أَتَانَا اليقين ﴾ [ المدثر : ٤٦-٤٧ ]. وفي « الصحيح » :


الصفحة التالية
Icon