قال ابن عباس : لما بعث الله محمداً ﷺ رسولاً أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً فأنزل الله :﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس ﴾ [ يونس : ٢ ] الآية، وقال :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني أهل الكتب الماضية أبشراً كانت الرسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم، وإن كانوا بشراً فلا تنكروا أن يكون محمد ﷺ رسولاً، والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد ﷺ كانوا بشراً كما هو بشر، كما قال تعالى :﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ﴾ [ الإسراء : ٩٣ ]، وقال :﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل ﴾ [ الأحقاف : ٩ ]، وقال تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ ﴾ [ فصلت : ٦ ]، ثم أرشد الله تعالى من شك في كون الرسل كانوا بشراً إلى سؤال أصحاب الكتب المتقدمة عن الأنبياء الذي سلفوا، هل كان أنبياؤهم بشراً أو ملائكة، ثم ذكر تعالى أنه أرسلهم ﴿ بالبينات ﴾ أي بالحجج والدلائل ﴿ والزبر ﴾ وهي الكتب، قاله ابن عباس ومجاهد : والزبر : جمع زبور، تقول العرب : زبرت الكتاب إذا كتبته. وقال تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر ﴾ [ القمر : ٥٢ ]، وقال :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ]، ثم قال تعالى :﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر ﴾ يعني القرآن ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ أي من ربهم لعلمك بمعنى ما أنزل الله عليك، وحرصك عليه واتباعك له، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم فتفصل لهم ما أجمل وتبين لهم ما أشكل والمراد بأهل الذكر أهل الكتاب، ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أي ينظرون لأنفسهم فيهتدون فيفوزون بالنجاة في الدارين.


الصفحة التالية
Icon