يأمر تعالى بالعدل في القصاص والمماثلة في استيفاء الحق، قال ابن سيرين : إن أخذ منكم رجل شيئاً فخذوا مثله، وكذا قال مجاهد والحسن البصري واختاره ابن جرير، وقال ابن زيد : كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين فأسلم رجال ذوو منعة، فقالوا : يا رسول الله، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب، فنزلت هذه الآية ثم نسخ ذلك بالجهاد، قال عطاء بن يسار : نزلت سورة النحل كلها بمكة، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها، نزلت بالمدينة، بعد أحد حين قتل حمزة رضي الله عنه ومثل به، فقال رسول الله ﷺ :« لئن أظهرني الله عليهم لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم، فلما سمع المسلمون ذلك قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فأنزل الله :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ إلى آخر السورة، وقال الحافظ أبو بكر البزار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ وقف على حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حين استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع للقلب منه، أو قال لقلبه، فنظر إليه وقد مُثل به، فقال :» رحمة الله عليك، إن كنت ما علمتك إلا وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات. والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها - أما والله على ذلك لأمثلن بسبعين كمثلتك «، فنزل جبريل على محمد ﷺ بهذه السورة وقرأ :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ إلى آخر الآية، فكفر رسول الله ﷺ يعني عن يمينه وأمسك عن ذلك. وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل، كما في قوله :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [ الشورى : ٤٠ ]، ثم قال :﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] الآية. وقال :﴿ والجروح قِصَاصٌ ﴾ [ المائدة : ٤٥ ]، ثم قال :﴿ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ﴾ [ المائدة : ٤٥ ]، وقال في هذه الآية :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾، ثم قال :﴿ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ﴾، وقوله تعالى :﴿ واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله ﴾ تأكيد للأمر بالصبر، وإخبار بأن ذلك لا ينال إلاّ بمشيئة الله وإعانته، وحوله وقوته، ثم قال تعالى :﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾، أي على من خالفك فإن الله قدر ذلك، ﴿ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ ﴾ أي غم، ﴿ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ أي مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك، فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك ومظفرك بهم، وقوله ﴿ إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسِنُونَ ﴾، أي معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه.


الصفحة التالية
Icon