يختبر تعالى أن من اهتدى واتبع الحق واقتفى أثر النبوة، فإنما يحصل عاقبة ذلك الحميدة لنفسه، ﴿ وَمَن ضَلَّ ﴾ أي عن الحق وزاغ عن سبيل الرشاد، فإنما يجني على نفسه، وإنما يعود وبال ذلك عليه، ثم قال :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ أي لا يحمل أحد ذنب أحد؟ ولا يجني جان إلاّ على نفسه. ؟ كما قال تعالى :﴿ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ [ فاطر : ١٨ ]، ولا منافاة بين هذا وبين قوله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ] وقوله :﴿ وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ النحل : ٢٥ ] فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب ما أضلوا من أضلوا، وهذا من عدل الله ورحمته بعباده، وكذا قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ إخبار عن عدله تعالى؛ وأنه لا يعذب أحداً إلاّ بعد قيام الحجة عليه، بإرسال الرسول إيه كقوله تعالى :﴿ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُواْ بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ﴾ [ الملك : ٨-٩ ] الآية، وقوله :﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا قَالُواْ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين ﴾ [ الزمر : ٧١ ]، وقال تعالى :﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴾ [ فاطر : ٣٧ ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحداً النار إلاّ بعد إرسال الرسول إليه.
مسألة
بقي هاهنا قد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديماً وحديثاً، هي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ماذا حكمهم! وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف، ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوته. وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون الله وتوفيقه، ثم نذكر فصلاً ملخصاً من كلام الأئمة في ذلك والله المستعان. ( فالحديث الأول ) : رواه الإمام أحمد عن الأسود بن سريع أن رسول الله ﷺ قال :« أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول : رب قد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر. وأما الهرم فيقول لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً ».
( الحديث الثاني ) : عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال :« سئل رسول الله ﷺ عن أطفال المسلمين، قال :» هم مع أبائهم «، وسئل عن أولاد المشركين. فقال :» هم مع آبائهم «، فقيل : يا رسول الله ما يعملون؟ قال :» الله أعلم بهم «.