يقول تعالى آمراً بالاقتصاد في العيش، ذاماً للبخل، ناهياً عن السرف :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ﴾ أي لا تكن بخيلاً منوعاً لا تعطي أحداً شيئاً، كما قالت اليهود عليهم لعائن الله ( يد الله مغلولة ) أي نسبوه إلى البخل، تعالى وتقدس الكريم الوهاب، وقوله :﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط ﴾ أي ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً ﴾، وهذا من باب اللف والنشر، أي فتقعد إن بخلت ملوماً يلومك الناس ويذمونك، ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه فتكون كالحسير، وهو الدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفاً وعجزاً، فإنها تسمى الحسير. وهو مأخوذ من الكلال، كما قال تعالى :﴿ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [ الملك : ٤ ] أي كليل عن أن يرى عيباً، وقد جاء في « الصحيحين » عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :« مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت، أو وفرت على جلده حتى تخفى بنانة وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها فلا تتسع » وفي « الصحيحين » عن أسماء بنت أبي بكر قالت، قال رسول الله ﷺ :« أنفقي هكذا وهكذا وهكذا، ولا توعي فيوعي الله عليك، ولا توكي فيوكي الله عليك »، وفي لفظ :« ولا تحصي فيحصي الله عليك » وفي « صحيح مسلم »، قال رسول الله ﷺ :« إن الله قال لي : أنفق أنفق عليك » وفي « الصحيحين » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً »، وروى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً :« ما نقص مالٌ من صدقة، وما زاد الله عبداً أنفق إلاّ عزاً، ومن تواضع لله رفعه الله » وفي حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً :« إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا » وروى البيهقي عن الأعمش، عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ :« ما يخرج رجل صدقة حتى يفك لحي سبعين شيطاناً » وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله ﷺ :