يقول تبارك وتعالى لرسوله ﷺ آمراً بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها :﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾ قيل : لغروبها. وقال ابن عباس : دلوكها زوالها، فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس، فمن قوله :﴿ لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ اليل ﴾ وهو ظلامه؛ أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقوله :﴿ وَقُرْآنَ الفجر ﴾ يعني صلاة الفجر، وقد ثبتت السنّة عن رسول الله ﷺ تواتراً من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفاً عن سلف وقرناً بعد قرن كما هو مقرر في مواضعه ولله الحمد، ﴿ إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً ﴾ قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :« فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر » يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً ﴾. وعن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في قوله :﴿ وَقُرْآنَ الفجر إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً ﴾ قال :« تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار » وفي « الصحيحين » عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال :« يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح. وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون. وتركناهم وهم يصلون » وقال عبد الله بن مسعود : يجتمع الحرسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء. وقوله تعالى :﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ ﴾ أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة، كما ورد « عن رسول الله ﷺ أنه سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال :» صلاة الليل «، ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل، فإن التهجد ما كان بعد نوم، وهو المعروف في لغة العرب، وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله ﷺ أنه كان يتهجد بعد نومه، وقال الحسن البصري : هو ما كان بعد العشاء، ويحتمل على ما كان بعد النوم، واختلف في معنى قوله تعالى :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾، فقيل : معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك، فجعلوا قيام الليل واجباً في حقه دون الأمة، رواه العوفي عن ابن عباس واختاره ابن جرير، وقيل : إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره من أمته إنما يكفر عن صلواته النوافل الذنوب التي عليه.
وقوله تعالى :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ أي افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً، يحمدك فيه الخلائق كلهم، وخالفهم تبارك وتعالى، قال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل، ذلك هو المقام الذي يقومه محمد ﷺ يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم، عن حذيفة قال : يجمع الناس على صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، قياماً لا تكلم نفس إلا بإذنه، ينادى : يا محمد