« فيقول : لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك ومنك وإليك، لا منجى ولا ملجأ منك إلاّ إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت » فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله عزَّ وجلَّ، وقال ابن عباس : المقام المحمود مقام الشفاعة، وكذا قال مجاهد والحسن البصري، وقال قتادة : هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود. قلت : لرسول الله ﷺ تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد، فهو أول من تنشق عنه الأرض ويبعث راكباً إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر وارداً منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق، وذلك بعد ما يسأل الناس آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فكل يقول : لست لها، حتى يأتوا إلى محمد ﷺ فيقول :« أنا لها، أنا لها »، كما سنذكر ذلك مفصلاً في هذا الموضع إن شاء الله تعالى، ومن ذلك، أنه يشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فيردون عنها، وهو أول الأنبياء يقضي بين أمته، وأولهم إجازة على الصراط بأمته، وهو أول شفيع في الجنة، وهو أول داخل إليها وأمته قبل الأمم كلهم، ويشفع في رفع درجات أقوام لا تبلغها أعمالهم، وهو صاحب الوسيلة التي هي أعلى منزلة في الجنة لا تليق إلاّ له، وإذا أذن الله تعالى في الشفاعة للعصاة شفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيشفع هو في خلائق لا يعلم عدتهم إلاّ الله تعالى، ولا يشفع أحد مثله ولا يساويه في ذلك. ولنذكر الآن الأحاديث الواردة في المقام المحمود وبالله المستعان.
روى البخاري عن ابن عمر قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء، كل أمة تتبع نبيها يقولون : يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد ﷺ، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً، وفي رواية :« إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم، فيقول : لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم بمحمد ﷺ فيشفع بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقه باب الجنة، فيومئذٍ يبعثه الله مقاماً محموداً، يحمده أهل الجمع كلهم »


الصفحة التالية
Icon